الثلاثاء 27 تشرين أوّل/أكتوبر 2020
خريستو المرّ نسبة المواطنات المعنّفات في بلاد الثماني عشر طائفة المعترف بها هي بين 35% و40%، مع نسب من العنف غير الجسديّ تصل إلى 49% (إحصاءات 2019). أي بين كلّ 10 فتيات أو نساء تلتقي وتلتقين بهنّ هناك 4 تعرّضن للتعنيف الجسدي، وخمسة تعرّضن لعنف نفسي و/أو جنسيّ و/أو نفسيّ. ولا تشير الاحصاءات المتوفّرة إلى فارق بين الأديان في نسب العنف. على حدّ علمي، ما من برنامج تربويّ أو برنامج دعم واحد في أيّة مؤسسة كنسيّة (أو إسلاميّة) من أيّ نوع يتحدّث عن تعنيف النساء ولا بالطبع عن التحرّش الجنسيّ وهو منتشر في المجتمع والكنيسة. ولكن كيف ستقوم هكذا مؤسّسات بإدراج تعنيف النساء في برامجهنّ ومعظم القائمين الأساس في الهيئات العليا لتلك المؤسّسات هم رجال؟ لا شكّ أنّ الأرقام لا تختلف كثيرا في سوريا والأردن والعراق. كلّ هذا كان قبل أزمة كورونا، ومن المعروف أنّه بعد أزمة كورونا تزايدت حالات العنف ضدّ المرأة حول العالم بسبب الحجز المنزلي. العاملات الأجنبيّات يعملن كالعبيد في سوق نخاسة عصريّ يسمّى "مكاتب الاستقدام". مؤخّرا في لبنان، عَمِلَ "المؤمنون" و"المؤمنات" المسيحيون والمسلمون والمسيحيات والمسلمات الأعضاء والعضوات في سوق النخاسة المسمّى "نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام"، وفي وحدة وطنيّة قلّ نظيرها، على تجميد العمل بـ "عقد العمل الموحّد" الذي كان يرمي إلى تحويل سوق النخاسة العصريّ إلى شيء شبيه بسوق العمل وذلك بإضفاء قليل من شروط المعاملة الإنسانيّة والعدالة إلى عقد العمل. فقد اعترض هؤلاء المؤمنين وأولئك المؤمنات على تحديد قيمة الأجر بما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور (يا للهول)، وتحديد ماهيّة العمل، والعطل، والإجازات السنويّة، وحقّ العاملات والعمّال بحيازة أوراقهما الثبوتية التي عادة ما تُصادر من قبل المؤمنين والمؤمنات الذين يستقدمون العاملات والعمّال ليصبحوا أشبه بالسجناء. أي أنّ اعتراضهم كان حول اعتبار العاملات والعاملين المستقدمين بشرًا مساوين في الكرامة، فمن من المعترضين والمعترضات يرضى أن يعامله أحد في بلد آخر بنفس الطريقة التي يعامِل وتعامِل بها عاملا أجنبيّا في لبنان؟ بالطبع الملاحظة نفسها تنسحب على كلّ البلاد العربيّة، "المؤمنة" بدورها. كلّ هذا ونحن مرتاحون إلى صلواتنا وعقائدنا، لا همّ لنا إلاّ أن نصل إلى قُدُساتنا التي منعتنا عنها كورونا، وألاّ يهين أحد معتقداتنا المقدّسة لا في مسرحيّة ولا في كاريكاتور، حتّى ليبدو للمتفكّر في شؤون مجتمعاتنا وشجونها أنّ الأشياء والأفكار عندنا مقدسّة أكثر من الإنسان نفسه هو لبّ الخليقة وغاية الوصايا والمقدّسات. لكن كعادتنا في نفاقنا الدينيّ (الذي لا علاقة له بالإيمان في شيء) تصبح الوسائل أهمّ من الغاية. فما همّنا النساء إن كان التراتيل رخيمة، ثمّ إنّنا "نترك" النساء يرتّلن في القدّاس (بالفعل "تقدّميتنا" لا حدود لها)، وأما ما يجري في المجتمع، أي في البيوت وفي العمل وفي المؤسّسات، فليس شأننا، هو شأن "العائلة" و"الدولة"، كأنّ العائلة والدولة كائنان أسطوريّان ليسا مُكوَّنين من مجموع هؤلاء المؤمنين الذين يضربون ويهينون ويتحرّشون ويعتدون ويسحلون وأحيانًا يقتلون. لو كان المؤمنون والمؤمنات بالفعل يفهمون مهمّتهم في هذا العالم لفهموا أنّهم مسؤولون ومسؤولات عمّا يحدث في محيطهم اوّلاً قبل محيط الدول البعيدة (دون أن يلغي هذا ذاك)، وأنّهم بالتالي مسؤولون عن مواجهة أنفسهم وخرابهم وخطاياهم واستهتارهم ونفاقهم قبل مواجهة تلك التي في الآخرين. والمؤمنات بشكل خاصّ مسؤولات عن أنفسهنّ، فالقبول بالذلّ وبالإهانة والعنف ليس من محبّة الآخر بشيء وليس من محبّة الذات بشيء. هذه تبريرات المعتدي والمتماهين والمتماهيات مع المعتدي. يسوع سأل أتباعه أن يهتمّوا به في الضعفاء، وبولس ذكّرنا أنّنا عاملون مع الله: الملكوت ليس هو "مكان" لاحق أو أمر مُرجأ إلى ما بعد الزمان، هو هنا والآن في هذه الأرض حين نحوّلها مع الروح الذي يحتضننا ويحتضن هذا العالم إلى شبكة علاقات محبّة وبُنى محبّة. في لبنان وسوريا ومنطقتنا الناس-الكنيسة مسؤولون أن يكونون ملح هذه الأرض بالذات، أن يبادروا في مواجهة خطاياهم؛ وللقيادات الكنسيّة والحركات الشبابيّة أن تكون قياديّة في إعادة النظر في برامجها التربويّة، وفي فتح ورشات عمل بالتعاون مع المؤسّسات المختصّة في المجتمع لفتح ملفّات الجرائم التي ترتكب في وسطها ووسط المجتمع، للخروج من الوضع الحاليّ المسكوت عنه. الإنسان مسؤول عن المجتمع وليس فقط عن عائلته. من مسؤوليّة المسيحيات والمسيحيين الإيمانيّة أن يعملوا مع الجميع على مشاكل "الأرض" بالضبط لأنّهم مهتمّون بـ"السماء". Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |