الثلاثاء ٢٣ حزيران/يونيو ٢٠٢٠
خريستو المرّ نحن اعتدنا يسوع لدرجة خطيرة. أحيانا كثيرة لم تعد كلماته وتصرّفاته تُسائلنا إذ صرنا نقرأ الأحداث التي عايشها كأنّها تعنيه هو ومن كانوا حوله فقط، ونحن واثقون من موقفنا: نحن إلى جانب يسوع بكلّ تأكيد. لكن إن أخذنا كلمات يسوع وأفعاله على محمل الجدّ، وتأمّلنا من خلالها واقعنا اليوم، فهمنا أنّ يسوع شكّل فضيحة كاملة لمحيطه، وأنّه يشكّل اليوم فضيحة كاملة لنا. عندما أعلن يسوع، في الناصرة التي ولد فيها، أنّه سيبدأ مهمّته التبشيريّة، وضعها تحت عنوان التحرير "روح الربّ عليّ، لأنّه مَسَحَنِي لأبشّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسلَ المنسحقين في الحرّية". مهمّة التحرير هذه، بجميع أوجهها، تشكّل فضيحة لنا اليوم. ماذا لو وقف إنسان اليوم وقال إنّ الكنيسة تصغي للمسيح ولحضور روح الله فيها، ولهذا هي تنادي بإلغاء نظام الكفالة فورًا، وبإطلاق المعتقلين السياسيين فورًا، وتريد للشعوب الحرّية فورًا، وأن تستتبّ العدالة الاجتماعيّة الآن، وأن يجري توزيع عادل للثروات وفرض ضرائب تصاعديّة على المداخيل جميعًا لتوزّع على شكلِ خدمات للشعب، وهي ترفض أيّ بيع لممتلكات الدولة ووضعها بتصرّف أيّ كان، وخاصّة المسؤولين عن النهب العام؟ عندئذٍ، كم من مسيحيّة ومسيحيّ، ومجموعة وسياسيّ واقتصاديّ وصحفيّ وأستاذ ومتخصّص وخبير مسيحيّ، سيعارضون تدخّل الكنيسة في "السياسة"، مع أنّهم لا يأنفون أن يتدخّلوا، هم وغيرهم، فيها ولكن طائفيًّا أي بشكل يحفظ مصالحهم بتمزيق الشعب وبنهب البلاد؟ هؤلاء يعارضون التوزيع العادل للثروة والتخطيط في الاقتصاد، لأنّهم يدافعون عن استغلال الناس (الاسم الحقيقي لـ"الحرّية" الاقتصاديّة)، وعن احتكار الثروة الوطنيّة (الاسم الحقيقي لـ"المبادرة الفرديّة"). هؤلاء لا يأنفون أن يخفوا ضوء الانجيل "تحت المكيال"، لأنّ الانجيل يشكّل لهم فضيحة في الميدانين السياسيّ والاقتصاديّ. يسوع لم يكن فضيحةً فقط بإعلانه إرسال الْمُنْسَحقين في الحرّية وتبشير المساكين، بل كان قمّة الفضيحة بإعلانه فورًا بعد ذلك بأنّ أهل مدينته ووطنه لن يقدروا أن يستفيدوا من عمله هذا، فـ"ليس من نبيّ مقبول في وطنه". أعلن لهم أنّهم لن يريدوا أن يسيروا في الطريق الذي سيدعوهم إليه، وبالتالي لن يعيشوا مفاعيلها. وبالفعل، لم يتأخّروا، إذ "قامُوا وأخرجوه خارج المدينة، وجاءوا به إلى حافّة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنيّة عليه حتّى يطرحوه إلى أسفل"؟ لم يتوانَ أهل مدينته، الذين طمعوا في الاستفادة من عمله، في أن يحاولوا قتله في اللحظة التي أظهر لهم فيها بأنّهم يجب أن يبذلوا جهدا ليسيروا في الطريق. كانت أذهانهم محصورة بكيفيّة "الاستفادة" من يسوع، وليس بالأفق الذي يدعوهم أن يسيروا إليه. ألسنا نفعل الأمر نفسه اليوم عندما نأبى أن نسير في خطّ يسوع في طريق المشاركة في الخيرات الوطنيّة، ونأبى أن نعلن حالة طوارئ إيمانيّة لنناضل بشكل فاعل مع الناس جميعا، بل نريد فقط أن نستفيد من "يسوع" في السياسة والاقتصاد، ونترك معظم الشعب "مطروحًا بين حيّ وميت" على قارعة التاريخ؟ يلتفّ الطائفيّون أحيانًا كثيرة حول صنم قبيلة، لا حول كلمة الله، لسان حالهم "أيّ إلهٍ عظيمٌ مثلُ إلهنا". يخلطون بين القبيلة وبين الله، وتصبح عندهم قضيّة الطائفة هي قضيّة الله، ومصالح الطائفة هي مصالح الله. يستبدلون الله غير المـُدرك الذي يدعوهم إلى الاستكشاف والتفكير والابتكار، بالطائفة الملموسة الممسوكة. لو أتى يسوع، أو نبيٌّ، اليوم، وقال كلماته في مجتمعاتنا لأخرجه الكثيرون من "أهله" خارج "مدينتهم" وحاولوا قتله. يسوع قُتِل في النهاية خارج أسوار المدينة التي لم تُطِقِ النورَ ولا الحرّيةَ مِنْ ذاك الذي كان فضيحتها. لقد كان يسوع فضيحةً حتّى لأقربائه، فنعتوه مرّة بالجنون فـ"أقرِباؤُهُ خرجوا ليُمسِكوهُ، لأنَّهُمْ قالوا: "إنَّهُ مُختَلٌّ!". ألم يحن الوقت كي يجنّ المسيحيّون كمعلّمهم، داخل نظام الظلم الذي يسحق وحراكِ الألم الاجتماعيّ الذي يغلي؟ ألم يحن الوقت أن يطالبوا بشفاء انكسار قلوب المساكين بتطبيق العدالة الاقتصاديّة للجميع، ويسعوا لإطلاق المأسورين في الفقر بواسطة النظام الموجَّه لخدمة الشعب؛ ويشاركوا بفتح عيون الناس على جرائم "الحرّية الاقتصاديّة" بكسر أبواق الظلم المنافقة؟ ألم يحن الوقت ألاّ يناموا حتّى يكونوا حَفَّازَ ورشةِ تحرير وطنيّة تنتظر أن تولد، وأن يصيروا نكهةَ ملحها؟ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |