الثلاثاء ٢٥ شباط/فبراير ٢٠٢٠
يؤمن المسيحيّون وتؤمن المسيحيّات أن المسيح صُلِبَ وقام، ويستعيدون ويستعدنَ عيشَ حدث النصر كلّ عام محيّين بعضهم بعضا على حسب عادة قديمة بعبارة «المسيح قام»، ويردّ السامع والسامعة «حقّا قام». السؤال الكبير - وهو السؤال نفسه في كلّ عقيدة إيمانيّة - هو كيف يمكن أن يجسّد الإنسان إيمانه في حياته اليوميّة؟ أن يكون المسيح مات وقام يحمل في ذاته معنى هائلاً ألا وهو أنّ الانتصار على الموت الذي حدث على الصليب هو إعلانٌ بأنّ النصر النهائيّ في هذا العالم هو للحياة والعدل والفرح، أنّ الكلمة الأخيرة في هذا العالم هي للحياة وليس للموت، هي لربّ الحياة الذي انتصر على الصليب؛ وأنّ هذا النصر قد بدأ. بهكذا توجّه إيمانيّ، يواجه الإنسان أوقات الجحيم التي في هذا العالم، وما أكثرها، بشجاعةٍ وبتصميم، وليس بانتظار باهت أو تخاذل؛ فربّ الحياة لم يقل أنا أنتصر وأنتم تستكينون، بل طلب من أتباعه أن يعملوا معه، أن ينشروا معه الخبر السار؛ وقد فهم بولس هذا الكلام فكتب "أنّنا عاملون مع الله". إذا، انتصار المسيح على الصليب ليس مدعاة للفتور، وإنّما إعلان عن تدشين ملكوت النصر على الموت وعلى أشكال الموت المختلفة في هذا العالم؛ إعلانٌ هو بمثابة دعوة لكي يضع أتباعه، وكلّ مخلص، أيديهم معه في ورشة تجديد العالم ليتجلّى عالم حياة ومشاركة وفرح. هذا التجديد، بالطبع، لا يتمّ إلاّ عبر مواجهات مع قوى الموت في هذا العالم، وهو ما فعله يسوع خلال مسيرته بيننا. هذا يعني أنّ الإنسان المؤمن بأنّ المسيح حقّا قام، يواجه بصلابة وتصميم وإيمان لا يتزعزع ويساهم في ورشة النصر على الموت حتّى عندما يبدو كلّ شيء مظلمًا ولا فائدة منه ولا أمل فيه، حتّى عندما تحملق فيه الهزيمة أمام قوى الموت، لأنّه يعلم أنّ ما هذا كلّه إلاّ مرحلةٌ في الصراع مع قوى الموت، المهزومة أصلا بكونها لا «تحيا»، ولأنّه يعلم بأنّ الكلمة الأخيرة في هذا العالم هي ليسوع المسيح «الغالب»: أي للحياة. الإيمان بيسوع المسيح قائما من الموت هو دعوة إلى الرجاء أي إلى متابعة المسيرة مهما حدث، لأنّ الإيمان لا يتطلّب رؤية موضوع الإيمان حاصلا اليوم، هو إيمان وليس مشاهدة، هو عيش، هو طريقة حياة. غير المؤمنين بإله لا يعيشون دون إيمان، هم يومنون بفكرة: تحرير الإنسان من الظلم مثلاً، وهم يعملون لا انطلاقا من مُشاهدة إيمانهم محقّقًا ولكن بالضبط انطلاقا من كونه غير محقّق، من إيمانهم بأنّ تحقيق الهدف ضروريّ حتّى التنفّس، وعند البعض حتّى الموت. هم أيضا مشاركون في نصر المسيح على الموت إن كان هدفهم تحرير الإنسان وكرامته وفرحه. أمّا المؤمنون بالمال والسلطة فلا نصيب لهم مع يسوع لأنّ قلوبهم مغلقة، فأهدافهم هي استخدام الآخرين لا خدمتهم. الإيمان بيسوع المسيح قائمًا من الموت هو دعوة إلى الرجاء حيث لا أمل، ودعوة إلى الشجاعة، إلى مواجهة مع قوى الموت لا تتهاون، وهو أيضًا دعوة إلى تسمية الأشياء بأسمائها أمام الطغاة، فيسوع تكلّم كلاما واضحا أمام المستغلّين والطغاة الدينيّين والسياسيين، قال بوضوح لبعض الناس أنّهم لصوص عندما قلب موائد الصيارفة، قال لرجال اللاهوت والدين أنّهم كالقبور الجميلة من الخارج والتي حقيقتها الداخليّة موت، نعتهم بأنّهم «أولاد الأفاعي»... يسوع كان لطيفًا ووديعًا أمام الضعفاء لم يكن كذلك أمام الطغاة والمستغلّين. منه نتعلّم. المسيح قام فليكن سجودنا لقيامته عملاً يوميّا لا يكلّ، شجاع، يرجو حيث لا أمل، ويؤمن إيمانًا يحرّكنا لنشارك المسيح في ورشة تجديد الكون وتحويله إلى مكان حياة وفرح ومشاركة، بشجاعة أمام قوى الموت، ناطقين بالحقّ وعاملين به مع جميع عاملات وعمّال الحياة في ملكوت يسوع، الملكوت البادئ منذ اليوم في حياتنا بأبعادها جميعا، ومنها البعد الوطنيّ. خريستو المرّ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |