خريستو المرّ
الثلاثاء ١ شباط/ فبراير ٢٠٢٢ يتحدّث المحلّل النفسي فيكتور فرانكل عن معنى الحياة، هو الذي قضى سنوات في معتقل نازيّ شارف خلالها الموت، فيقول بأنّه يمكن للإنسان أن يصل إلى إعطاء معنى للحياة عن طريق ثلاثة أمور: العمل (عمل معيّن أو فِعلُ خير)، أو المحبّة (اللقاء بآخر أو اختبار أمر)، أو محاولة تجاوز الإنسان لنفسه في ظلّ ظروف مأساويّة لا يمكن أن تتغيّر، محاولته لأن ينمو بحيث أنّه يتغيّر من الداخل، وهو أمر يمكن أن يفعله أضعف ضحيّة في أضعف موقف، وفرانكل عاش بالفعل وضعَ ضحيّةٍ لا يمكن أن تغيّر مصيرها. هذا الموقف الداخليّ من الأوضاع المأساويّة يغيّر الإنسان ويعطيه ما يفخر به ألا وهو أنّه يواجه، أنّه ليس مسحوقٌ بالأوضاع وإنّما يتقدّم ولو على الصعيد الذاتيّ الداخليّ. المقاومون، المؤمنون بعدالة قضاياهم، عندما يقعون أسرى في السجون يتمكّنون من احتمال السجن والضغط النفسيّ الناتج عنه، أكثر من غيرهم، وذلك لإيمانهم بقضيّتهم. بفِعلِ مواجهة آلام الاعتقال، هم يعطون لألمهم معنى. قد يقول إنسان أنّ الوقوع ضحيّة مرض أو كارثة طبيعيّة (أو عمليّة نهب جماعيّ)، هو غير الوقوع في عمليّة أسر خلال فِعل مقاومة. هذا صحيح، لكنّ النقطة الجوهريّة في كلامنا هي في المعنى الذي يضفيه الإنسان للأحداث، والطريقة التي يواجه فيها مصيره. هل ينكمش؟ هل ينطوي آسفًا على نفسه؟ أم هو ينخرط في مشروع تحريريّ ليتحرّر هو وغيره من هذا الألم الجماعيّ؟ أمّا في حالات المرض، فالمعنى الذي قد يكمن في إصرار الإنسان على التمسّك بالكرامة البشريّة، وعلى إظهارها من خلال الطريقة التي يواجه بها مصيره؟ المهمّ أن يرى الإنسان أنّ الأمر يتعلّق بمواجهة شخصيّة لأحداث قد لا تكون بيده. يذكر طبيب نفسيّ آخر هو برونو بتلهايم، أنّ المعتقلين في السجون النازيّة الذين كانوا يحملون معتقدات سياسيّة ودينيّة كانوا يحتملون اعتقالهم بكرامة المناضل، أمّا المعتقلون من الطبقة الوسطى الذين بنوا رؤيتهم لأنفسهم على انتمائهم الطبقيّ وممتلكاتهم، فكانوا أكثر ما يعانون من الشعور بالضياع في المعتقلات، ذلك أنّ وجودهم نفسه كان مبنيّا على قاعدة الملكيّة والموقع الاجتماعيّ، فما أن تجرّدوا من تلك فقدوا احساسهم بالوجود. الظروف نفسها للفريقين لكنّ معنى الحدث مختلف والتفاعل معه مختلف لدى الفريقين. القضيّة هي في الموقف. إلى حدّ ما، لا يكتب الإنسان تاريخه الشخصيّ، ولكنّه قادر على كتابة طريقة تعامله مع هذا التاريخ. يمكن للفِعل، ولممارسة المحبّة، وللموقف من العالم والذات، أن تكون تعبيرات عن حبّ الإنسان وحرّيته، تعبيرات عن تاريخ شخصيّ يكتبه في مواجهة الظروف. هذا الموقف الحرّ الـمُحِبّ للعالم والذات هو موقف الإيمان الأصيل، الموقف الذي يرى المعنى ليس في ما يُعطَى للإنسان أو يؤخَذ منه، وإنّما في ما يقدِّمُه ويصنعُه ويعيشُه، وفي الموقف الذي يواجه به تاريخه. إنّ تاريخ الحبّ ينبض بقلب الله ولذلك هو الغالب. والأدلّة التي يقدّمها تاريخ الشعوب، وعلوم النفس وغيرها، تؤكّد أنّ هذا الكلام يعكس حقيقة الإنسان الداخليّة. الخارج لا يحدّد المعنى، بل الداخل، فنحن الذين نضفي معنى للحياة. لأجل هذا قال شاعرٌ يومًا "فحقّاً حبّنا معنى للا معنى، وحقّاً أنّ هذا العشقَ يشفي، ولو أنّ لجُرحِ الأرضِ قلبينا رغيفُ". Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |