موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

المقالة الأسبوعيّة

ألم المحبّين

9/28/2021

 
ألم المحبّين
خريستو المرّ، الثلاثاء ٢٨ أيلول / سبتمبر ٢٠٢١
إلى يحيى، منار، ومارسيّا
كلّ منّا يحبّ الأصدقاء، والمحبوب، وذاته... ويحزن إن أصاب أحدهم مرضًا أو رحيلًا، نخاف عليهم من الوجع، وعليهم وعلى أنفسنا من الغياب. المرض يخطف من الإنسان الفرح، ويُبعده قليلًا عن الحياة، كأنّ الحياة شمسٌ دافئة والمرض ابتعادٌ في البرد، ابتعادٌ يطلّ على الهاوية، على الموت، على السؤال عن المعنى المبلّل بالشكّ.
ليست الحياة شيئًا واحدًا في الذهن، هي طبقات من المعنى. للحياة في معناها البسيط حضور جسديّ ضروريّ، ويصبح المعنى أكثر تأجّجًا إن كان الحضور الجسديّ فاعلًا في العالم، ويغدو أكثر بهاء إن كان الحضور مُحِبًّا ومحبوبًا. كأنّ للحياة في معناها الكامل ملامح إنسانٍ يحتضن العالم ويعجنه ليخبز بالشوق رغيفَ المشاركة. الحياة الكاملة المعنى هي في هذا الحضور-الفعل-المحبّة-المشاركة. قد يعيش الإنسان قليلًا أو كثيرًا من السنين، ولكنّه لا يشتعل ولا يشعل حياةً حوله إلّا بذاك الحضور المحبّ. تلك الحياة المشتعلة هي المعنى الملموس، ولو أنّه معنى مأساويٌّ إن لم يطلّ إلّا على الموت، فهناك شيء من اللامعنى حاضر إن لم يكن من وجود بعد الموت. ما معنى كلّ حبّي بالنسبة لوجودي (وليس لوجود غيري)، إن كان وجودي نفسه ينتهي بالفناء؟ هذا السؤال مأساة كاملة إن لم يرَ الإنسان حضورًا خلف غياب الله الظاهر في الكون، إن لم يقرأ كلمات الله المنثورة أمام صمته، وفي صمته بالذات. قد يكون تواضع الملحدين أنّهم يقبلون مأساويّة اعتقادهم بفنائهم الذاتيّ، وتواضع المؤمنين أنّهم يعلمون أنّهم فانون بذاتهم لأنّهم مخلوقات وأنّ محبّة الله فقط هي التي توجدهم كلّ لحظة وتوجدهم بعد الموت.
نحزن على أحبّائنا إن توجّعوا من مرض أو حدث لأنّنا نفهم من الداخل خبرة الألم، فكلّنا تألّمنا. وإن كان من آلام لا يمكن -ولا يجب- تجنّبها، كألم الولادة أو النموّ بالانسلاخ عن محيط مُطَمْئِن، فهناك آلام نريد، وينبغي، أن نتجنّبها كآلام الأمراض. ألم المرض ليس ضرورة نموّ، هو موجود ونحاول تجنّبه بالعقاقير لأنّ لا معنى له بذاته. ونحن نتألّم لأحبّائنا أكان لآلامهم معنى أم لم يكن؛ نتعاطف معهم، نتشارك معهم أوجاعهم ما أمكننا ذلك، ونتوجّع أنّنا لا نستطيع أن نخفّف عنهم من آلامهم شيئًا أو نقاسمهم إيّاها. هكذا، تصبح المحبّة مصدر ألم، التعاطُفُ متألِّم دائمًا، ولا يتوقّف الألم إلّا في الطوارئ حيث الأولويّة للإنقاذ. ألم التعاطف دليلنا أنّنا أحياءُ محبّين. قد ينتفي ألم الأمراض يومًا لتطوّر طبّي ما، ولكن لن ينتفي ألم العلاقات المبنيّة دائمًا على حرّية وتنوّع البشر، ولن ينتفي يومًا ألم الإنسان لآلام المحبوب. لا يوجد حبّ غير مطعون بحربة. وبينما لا معنى للألم من مرض، فالمعنى فيه يحدّده المتألّم (إن كان الألم محتملًا)؛ فقد يراه إنسانٌ مواجهةً شُجاعةً لمصير، وآخر ملامسةً لأجساد الأبرياء، وآخر ملامسة لجسد المسيح.
عدا الألم الذي لا مجال لردّه نتيجة أمراض أو أحداث عيشٍ أو طبيعة علاقاتٍ، هناك الموت الذي يخلق لنا ألمًا حتّى وإن آمنّا. رحيل الأحبّاء يبقى حزنًا كبيرًا. هناك ألم خفيّ على أنفسنا في كلّ ألمٍ لفراق، ألمٌ خفيّ من خسارتنا لرؤيةِ وجهٍ، من وِحدتنا التي تنمو بغياب الآخرين، وهناك حزنٌ متألّمٌ من خوفنا من الموت. ولكن هناك ألم آخر: ما الذي تفعله بنا علاقة مع آخر، مهما كان عمقها، أكانت علاقة عائليّة سليمة أم صداقة أم حبّا؟ علاقات المحبّة أو الحبّ تنسج في وجودنا خيوطًا من الضوء آتيةً من عيون من نحبّ. تحيكُ علاقاتُ المحبّة نسيجَ وجودنا من خيوطٍ نورٍ كثيرة، بحيث أنّ هناك وجوهًا متعدّدة، متنوّعة، فريدة، لا تُختَزَل، تشترك في صنع وجودنا. هكذا يلد تعاطف المحبّة مساحة من اللقاء بين القلوب فلا تغدو تلك منفصلة بعد، ولا تصبح واحدة، وإنّما تصبح متّحدة، موصولة مع بعضها بجسرٍ بهيٍّ من خيوطٍ من نور. هكذا يولد بين القلوب جسرٌ مشتركٌ من حنان إلهيّ، فلا يهتزّ قلبٌ دون أن يهتزّ آخر، ولا يُطعن قلبٌ دون أن يَدمى آخر، ولا يتوجّع قلبٌ دون أن ينزف آخر، ولا يرحل قلبٌ دون أن يتمزّق آخر. وإن آمن الإنسان أنّ الموت غيابٌ ليس إلّا فالقلب يتمزّق لغياب رؤية العين، أمّا رؤية القلبِ فترى حبَّها مطعونًا، ولهذا تراه عرشًا إلهيًّا يضيءُ ولو لم تمسسه نارٌ، لأنّه النارُ الجريحة في الأفق. أو يكون الله جريحَ حبّه للخليقة؟ المسيح المصلوب جوابُ الله وسرُّ الجواب.

Comments are closed.

    الكاتب

    خريستو المر

    الأرشيف

    December 2023
    November 2023
    October 2023
    September 2023
    August 2023
    July 2023
    June 2023
    May 2023
    April 2023
    March 2023
    February 2023
    January 2023
    December 2022
    November 2022
    October 2022
    September 2022
    August 2022
    July 2022
    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة