------------------------------- خريستو المرّ الثلاثاء 1 حزيران/يونيو ٢٠٢١ استفاقت كندا على خبر العثور على مقبرة جماعيّة لـ215 (مائتين وخمسة عشر) طفلًا من أطفال السكان الأصليين في "مدرسة" كاملووبس الداخليّة (Kamloops Indian Residential School) في مقاطعة كولومبيا البريطانيّة؛ و"المدارس الداخليّة" هذه، هي بمثابة معتقلات غسل دماغ وتعذيب نفسيّ وجسديّ لأطفال السكّان الأصليّين في كندا، وهي نظام ابتكره المشروع الاستيطانيّ الاستعماريّ الأوروبّي لكي يقضي على الهويّة الأصليّة لسكّان كندا الأصليّين. معتقلات الأطفال هذه استمرّت للتسعينات حين أُغلِقَ آخر مُعتَقَل. وقد حاول المشروع الاستيطانيّ بواسطة هذه المعتقلات محو الهويّة الذاتيّة للسكّان الأصليّين بحجّة " تمدينهم"، حاول القضاءَ على لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم منذ الصغر. هل يمكنك عزيزتي القارئة أن تتخيّلي بشكل شخصيّ للحظة حين كنتِ طفلةً ما معنى أن تُنزَعي قسرًا من أهلك وأن يُزجّ بك في سجن لتتعلّمي لغة أخرى وتقاليد أخرى وتُمنعي من التكلّم بلغتك؟ وهل يمكنك للحظة عزيزي القارئ أن تضع نفسك مكان أهل أولئك الأطفال وأن تتخيّل للحظة ما معنى أن تأتي الشرطة لتنفيذ حكم الدولة وتنزع منك طفلك أو طفلتك بحيث أنّك لا تراهم بعد اليوم إلّا حين تقرّر الدولة ذلك أو لا تراه ملأنّهم لن يعودوا أبدًا أحياء ولن تعرف مصيرهم أبدًا؟ ويتساءل البعض عن انتشار استهلاك الكحول المخدّرات وارتفاع نسبة الانتحار بين السكّان الأصليّين اليوم، وينسون أنّهم كانوا أطفالًا في تلك المدارس. الوجه الآخر لهذه الجريمة هي أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة الرسميّة في كندا قامت بإدارة هذه المدراس، أي هي التي "اعتنت" بالأطفال، أي قامت بتنفيذ برنامج محو الهويّة، وأضاف المسؤولون والمسؤولات من عندهم ألوان القسوة. الدين أتى لمساندة الشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ في تنفيذ برنامج استلاب السكّان الأصليّين وتغريبهم عن ذواتهم الجماعيّة. وضع الدين يده بيد الدولة ليس للرفق بالإنسان، بل لإخضاعه لمشروع جني أرباح (أسمه استيطان) وترسيخ شعور وهميّ بالتفوّق (اسمه تفوّق العنصر الأبيض). المشروع هو لجني الأرباح كونه يصطنع المستوطن فيه من لا شيء ثروةً: يكفي أن يأتي شخص أو مجموعة وتدّعي ملكيّتها لقطعة أرض لتكتسب ثروة من لا شيء، من لا عمل، من لا إنتاج، من مجرّد السطو على ما هو في الأصل مُشترك أو ملك أناس آخرين. هل فهمنا هذا البعد المادّي الماليّ ممّا حصل ويحصل في فلسطين أم ليس بعد؟ والمشروع الاستيطانيّ يرسّخ شعورًا وهميّا لدى المستوطِن بأنّه صاحب موقع أعلى في «الحضارة» بالنسبة للآخر الذي تمّ السطو على مقدّراته والعمل على محو هويّته. لكن خلف وهم التفوّق الحضاريّ يحتاج المستعمِر لتبرير جرائمه لأدوات الأخلاق أو الدين، فيصوّر لذاته أوّلا ثمّ للآخرين أنّ جريمته هي عمل أخلاقيّ رفيع، فيسبغ عليها صفة «تحضير» (نقل الآخرين إلى الحضارة) كما برّرت الحكومة الكنديّة إرسائها لنظام معتقلات الأطفال، وكما برّر وتبرّر الحكومات الفرنسيّة والانكليزيّة جرائمها في حقّ سكّان المعمورة ومنهم سكّان بلادنا من شمال أفريقيا إلى شرق المتوسّط، أو صفة «تحرير» كما برّرت الحكومات الأميركيّة تدميرها للعراق، أو صفة «تحضير» الأرض من خلال تأسيس مدنيّة في أرض خالية لإيواء المشرّدين وهي الصفات الكامنة في الشعار المنافق «الأرض التي بلا شعب للشعب الذي بلا أرض». في هذا السياق، يؤدّي الدين خدمة جلّى، فهو وسيلة تبرير محفّزة لصنع كلّ جريمة بضمير مرتاح، من جريمة «تبشير» السكّان الأصليّين التي وضعت فيها الكنائس يدها بيد المستعمر، إلى جريمة احتلال فلسطين وطرد الفلسطينيّين والتنكيل بهم باسم وعود إله تحوّل سمسار أراضٍ على يد عصابات الحركة الصهيونيّة، إلى جريمة داعش وأخواتها لتحقيق خلافةَ إلهٍ على الأرض، باستباحة حياة الذين تسمّوا عياله وتدميرها! السكّان الأصليون حول العالم خضعوا لنفس «الأخلاق»: «أخلاق» الإبادة والسطو. مَنْ هو حزين وغاضب ممّا حصل لأطفال السكّان الأصليّين في كندا واجبه أن يدافع عنهم وعن حقوق السكّان الأصليّين في كلّ مكان، لهذا من واجب سكّان بلادنا أن يقفوا مع الفلسطينيّين، وكذلك أن يتعاونوا في بلادهم كي تسقط الحمايات الدينيّة للجرائم التي تحدث باسم الدين داخل المؤسّسات الدينيّة قبل أن تحدث خارجها. كم من طفلٍ وبالغٍ مسجّى تحت أنظمة الحكم، والسياسة، والاقتصاد، والتربية، والتعليم الدينيّ، تخفيهم عن العيون طبقاتٌ سميكة من الخطب الدينيّة الجوفاء مغلّفة بأوهام عن تاريخ دينيّ مُختَزَل خالٍ من الفكر النقديّ منفصل عن الواقع التاريخيّ. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |