خريستو المرّ
الثلاثاء ١٣ تشرين الأوّل / أكتوبر ٢٠٢٠ لم تلتقط القيادات الكنسيّة الأرثوذكسيّة، وحركات الشباب في أنطاكية حتّى الآن الغليانَ الفكريَّ والحياتيّ الذي يحدث داخلها وحولها. وما زالت تتمسّك بوسائلَ وخياراتٍ من الماضي لم تعد تنفع. فلا هي تحاكي الحاضر ولا تحضّر للمستقبل. الماضي كان أجرأ. صوتُ المجمع الأرثوذكسيّ إثْرَ الحرب الأهليّة عام ١٩٧٥ كان نبويًّا. من يقارن بين بيان المجمع الأرثوذكسيّ إثر اندلاع الحرب الأهليّة عام ١٩٧٥ وبين بيانات المجمع اليوم يترحّم على الإنجيليّة الثوريّة، وعلى توقّد الفكر، وعلى الجرأة. لسنوات قليلة خلت كان صوت حركات الشباب نبويًّا. وأمّا اليوم فالبلاد في الهاوية، ولا كلمة حرّة لحركات الشباب تقولها للمجتمع الأوسع رسميًّا وعلنيًّا وبوضوح في وسائل الإعلام. ما هو الخطاب الرسميّ المتوجّه للمجتمع الأوسع لحركات الشباب الكنسيّة إثر انهيار الاقتصاد في لبنان؟ لا شيء. تنهار مجتمعات بأكملها ولا صوت لها يدعو إلى العدالة، ويخرج إلى العلن ليدين النظام الطائفيّ والاقتصاديّ القائم بفمٍ ممتلئٍ بنار الروح. تنهار المجتمعات ولا خطاب رسميّ-فكريّ-إعلاميّ-متحرّك ومتشابك مع الحراك المجتمعيّ تجاه الظلم الاجتماعيّ. غياب صارخٌ لا بدّ أن يكون له أثرٌ سلبيٌّ فادحٌ على الحاضر وعلى المستقبل. لا تكفي الأصوات الفرديّة هناك ضرورة لشهادة جماعيّة مُعلَنَة. القيادات الكنسيّة اليوم تستنسخ الذهنيّة السياسيّة السلطويّة الموجودة حولها. أين التهافت الكنسيّ على مقاعد طائفيّة، والذي يجتمع عليه بشكل نادر بطريرك أنطاكية ومطران بيروت، من كلام المجمع الأنطاكيّ عام 1975:"نحن لا نتّبع المنطق الطائفيّ لننافس أحدًا على منصب، ولكنّا سنذكّر دائما باسم الإنسان في لبنان أنّ إسناد الوظائف إلى أصحابها على أساس طائفيّ إنّما هو نظام بالٍ... إنّ القمع الطائفيّ هو عنصريّتنا اللبنانيّة". حركات الشباب تعمل بتفانٍ قلّ نظيره، وتشكّل بيئة فريدة في الأخوّة والشهادة ليسوع. ولكن يبدو أنّ الخوف الذي يجمّد المبادرة قد مسّها. هل هي تخطئ في قراءة علامات الأزمنة؟ لا يمكن الركون إلى الماضي، الماضي ربّانا لأنّه كان ابن حاضره، "لا يجعلون خمرًا جديدة في زقاق عتيقة، لئلّا تنشقّ الزقاق، فالخمر تنصبّ والزقاق تتلف. بل يجعلون الخمر الجديدة في زقاق جديدة فتُحفَظُ جميعًا". هذه الكلمات لم تكن يومًا دعوةً لرمي القديم وإنّما دعوة للتجديد، دعوة "لنطرح الخوف جانبًا"، فـ"كلّ كاتب متعلّم في ملكوت السماوات يشبه رجلًا ربّ بيتٍ يُخرج من كنزه جُدُدًا وعُتُقًا". الخدمة الاجتماعيّة ضروريّة ولكن كما قال البيان نفسه عام ١٩٧٥ "بعد أن تلتفتوا إلى كلّ نزف أينما حصل وأن تصلّوا لكلّ جريح، لا بدّ أن تعملوا حتّى تزول إراقة الدماء"، والعمل يتطلّب إلهام قياديّ. ماذا يمنع حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وغيرها من الوقوف جماعيًّا وقفة واحدة بشكل رسميّ ضد المظالم؟ ماذا يمنعها من أن تقف مع هيئات أخرى، مسيحيّة وغير مسيحيّة، موقفًا اعتراضيًّا واضحًا وصريحًا ضد نظام اقتصاديّ مدمّر، يضع ثروات البلاد في يد 1% من السكّان؟ ما الذي يمنعها؟ هكذا مواقف ليست سياسة تفصيليّة ولا حزبيّة، هذه مواقف حول المبادئ، باتت ضروريّة حتّى التنفّس. الخوف يجمّد الفكر قبل الفعل، من يخفْ من "الموت" يبقَ تحت العبوديّة. المحبّة تؤجّج الشعور بالمسؤوليّة، والشعور بالمسؤوليّة يمدّنا بالرغبة في العمل، والرغبة تلد الجرأة، والجرأة خطوة التفكير الأولى، والتفكير يتبعه الوعي، والوعي يتبعه نضالٌ طويل. ألف ميل، ألفُ ميل تبدأ بمحبّة ففكرة. قد تكون الفكرة حديثة وصغيرة السنّ ولكن لا يستهن أحدٌ بحداثة فكرة. المسيحيّة، كفعل ينقذ العالم، يجب أن تجد لها تجسيدًا بصوتٍ نبويٍّ جماعيّ يُحْيي مبادئ العدل والمشاركة، ويلهم العمل الوطنيّ. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |