خريستو المرّ
الثلاثاء ٩ آب / أغسطس ٢٠٢٢ والقلب على فلسطين الجريحة الأسيرة أكتب عن لبنان. في لبنان، لا حقّ. الكلام حول لبنان-الرسالة "كليشيه" يجمّل بشاعة النظام السياسيّ لهذا البلد الجميل، وبالتالي يخدّر الممارسة السياسيّة الضروريّة لنخرج من الطائفيّة، من هذا النظام السياسيّ الطائفي المدمّر الذي رتّبه المستعمر العلمانيّ لكي يُبقي على وسيلة يمارس من خلالها سيطرته. في لبنان، لا حقّ. الطائفيّة تأكل كلّ حقّ. الطائفيّة تأكل كلّ إيمان باسم الدين. كلّما طاف على سطح اليوميّات اتّهام لشخص أو مجموعة بالتفريط بالمال العام أو بالمال الخاص (مال المودعين) تجنّد بطريرك ومطران من هنا، ومفتي وشيخ من هناك، ليضرب بالإيمان عرض الحائط في سبيل "كرامة" الطائفة، فيضع خطًّا أحمرًا أمام استدعائهم للتحقيق. بخالف رجال الدين أسس إيمانهم من أجل الطائفة، والكلّ يعلم أنّ الطائفة لا تستفيد ولا تتكرّم بالطائفيّة، وإنّما الطائفيّة وسيلة استفادة ماليّة و/أو سلطويّة للمتنفّذين فيها فقط، ووسيلة تخدير ونزاع يستخدمها المتنفّذون لمحاربة بعضهم البعض على المال والسلطة. انفجار ٤ آب ٢٠٢٠ ذهب دون عقاب ودون معرفة لحقيقة، كما توقّعنا. سنتين على الانفجار دون تقدّم يذكر. هناك اتّهامات مجانيّة، أخبار و"تحقيقات" تطلقها وسائل إعلاميّة مشتراة من أجهزة خارجيّة، ولا حقائق. القضاء ممسوك سياسيّا إلى حدّ كبير، والسياسيّون يصونون أنفسهم وأتباعهم من الملاحقات، وهم مدركون أنّ القضاء ممسوك من السياسيّين لأنّهم يعلمون ماذا فعلوا، وكيف زرعوا الأجهزة القضائيّة بأتباعهم. الكلّ يطالب بالتحقيق على أن يصل التحقيق إلى الاستنتاجات التي هو يريدها. إن لم يتصرّف القضاء كما يريد هذا الحزب أو ذاك، توقّفت عجلة العدالة المكبّلة أصلا. الأحزاب الطائفيّة نخرت الجسم القضائيّ لأنّها لا تثق ببعضها البعض وتتنافس على المغانم نفسها والسلطة نفسها. وانعدام الثقة هذا، هو الذي يدفعها إلى رفض تطبيق العدالة في أيّ ملفّ ما لم تضمن مسبقا نتائجه. الواقع، من الزاوية الإيمانيّة، أنّ المتكلّمين باسم المسيحيّين والمسلمين مدفوعين بحكم النظام الذي يشتركون بالدفاع عنه، هذا النظام المولّد لانعدام الثقة وللتنافس على المغانم، مدفوعون دفعًا إلى خيانة كلّ مبادئ إيمانهم التي تتطلّب ضرورة العدل وإحقاق الحقّ للمظلوم. المتكلّمين باسم المسيحيّين والمسلمين سياسيّين ورجال دين، هم أسرى هذه التركيبة الطائفيّة التي يحمونها بحكم العادة وبحكم الاستفادة. تاريخ الأديان المعاصر يضع الإلحاد في مواجهة الإيمان، وكأنّ الإلحاد هو الوضع المعاكس للإيمان. هذا التواجه خطأ إيمانيّ فادح. الإلحاد ليس عكس الإيمان ولا هو ضدّه، فقد يكون الإنسان ملحدًا فكريّا بالله، ولكنّه يعمل عمليّا كلّ الأعمال الصالحة التي من المفترض أن يفعلها المؤمن؛ وقد يقول الإنسان عن نفسه بأنّه مؤمن ولا يفعل من تلك الأعمال شيئًا. الإلحاد ليس هو عكس الإيمان أو ضدّه، عكس الإيمان وضدّه هو الإيمان الظاهريّ، الإيمان المنافق، الإيمان الذي يحوّل الله نفسه إلى وسيلة قمع واستغلال، واستفادة شخصيّة وجماعيّة. من هذا المنظور الطائفيّة هي ضدّ الإيمان، هي معادية للإيمان، لأنّها تشوّهه وتحوّله إلى عصبيّة دينيّة هدفها استمرار الجماعة الدينيّة بغضّ النظر عن علاقتها بالله (الكراهيّة الطائفيّة خير دليل على إرادة الاستمرار بانفصال عن الله). لا يمكن ان نشهد جوّا يسمح بصفاء في العلاقة مع الله ومع الآخر في المجتمع في ظلّ النظام الطائفيّ. الإيمان نفسه يدلّنا أنّنا يجب أن نتخلّص من النظام الطائفيّ لنبني نظاما علمانيًّا، أي غير طائفيّ، مثل الأنظمة الأخرى الموجودة حول العالم والتي عندما يلجأ إليها اللبنانيّون واللبنانيّات يمكنهم – إن تحرّروا من سمّ الطائفيّة في وطنهم الأصليّ- أن ينعموا بنعمة التعامل مع الآخر كإنسان فريد، أي يمكنهم أن يتعاملوا معه كوجه. الملحد يمكنه أن يرى الوجوه، ويصعب على الطائفيّ، ذاك المؤمن الظاهريّ المنافق، أن يراها، فهو مشغول بالكراهية والاستغلال، أي مشغول بذاته الفرديّة وصورتها الضخمة الجماعيّة. إنّ مرور جملٍ من ثقب إبرةٍ أسهل من أن يدخل طائفيّ ملكوت الوجوه. مَن يتجاوز الطائفيّة يرَ الوجوه، وبالوجوه يكتب قصائد علاقاته الإنسانيّة. أبجديّةُ الحياة مع الله هي الوجوه، آمن الإنسان أم لم يؤمن. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |