خريستو المرّ
الثلاثاء ١٨ آب ٢٠٢٠ انهار الاقتصاد اللبنانيّ، وانفجر مرفأ بيروت، وما تزال الآثار السلبيّة لفيروس كورونا مستمرّة. أصعب ما يواجه الإنسان في ظلّ هكذا ظروف هو شعوره بالعجز ومن ثمّ الغضب. كيف يتعامل الإنسان أمام هذه المشاعر. برأيي ينبغي أن نميّز بين غضب وغضب وبين عدوانيّة وعدوانيّة. الغضب شعور بشري طبيعيّ وضروريّ للدفاع عن الحياة، الإنسان يغضب من الظلم مثلاً، وكيف له أن يشعر بأنّ الظلم يجب انهاءه وأن يسعى لإنهائه إن لم يشعر بالغضب وتتحرّك فيه نزعة لإزالة عدوان الظلم المدمّر. الغضب يعطينا الاندفاع الداخليّ لرفض الواقع الظالم. ليس المطلوب برأيي أن ننفي الغضب نفيا نهائيّا من الذات، وإنّما أن نوجّه غضبنا نحو أهداف حياة. مشكلة الغضب أنّه يؤثّر في القدرة على الحكم. إنّ غضبا يقصد التجريح بإنسان هو سيّء، لأنّ التجريح سيّء وليس لأنّ الغضب سيّء. بمكن للإنسان لأن يجرّح ويهين إنسان آخر بكلّ هدوء، أو بدعابة، وبدون إظهار إمارات الغضب (يبقى الغضب خفيًّا). التجريح محاولة قتل معنويّ والمطلوب في العلاقات الشخصيّة ألاّ نقتل آخر معنويّا أو مادّيا. هناك علاقات سامّة (العلاقة مع إنسان نرجسيّ، أو متحكّم، أو مؤذٍ، أو معتدٍ) يجب الابتعاد عنها وذلك يكفي. أن تترك امرأة رجلا يضربها أو يذلّها، مثلاً، هو ضرورة حياة. المهمّ في العلاقات السّامة أن يتركها الإنسان. الغضب ينفع هنا، ينفع بأن يدرك الإنسان أنّ هكذا علاقة سامّة بالفعل ويجب إنهاؤها. هذا ليس ضدّ المحبّة بشيء. عدا العلاقات الشخصيّة، هناك الواقع الاجتماعيّ حيث العلاقات لا شخصيّة. هناك الغضب من واقع معيّن. فلنأخذ نظام ديكتاتوريّ يكمّ الأفواه ويقتل ويعذّب، أو نظام مافياويّ يؤدّي إلى انهيار اقتصاديّ وإلى قتل الناس (انفجار بيروت الأخير). الإنسان يغضب من هذا الواقع. هذا الغضب جيّد، هو نقطة انطلاق، قوّة يجب ألاّ نبعثرها. الغضب هو أفضل من الانهزام النهائيّ والتبلّد واعتياد الظلم. ليس المطلوب ألاّ يغضب الإنسان بل أن يوجّه غضبه نحو الواقع الحقيقيّ، وذلك يبدأ بوصف صحيح للأمور واستخدام عبارات دقيقة. الانهيار الاقتصادي وانفجار مرفأ بيروت ليسا كارثتين، هما جريمتنا ناتجتان عن طبيعة النظام السياسيّ في لبنان، وهناك مجرمون مشتركون في الجريمة، وهم أساسا كلّ مجموعة المصرفيّين، ورجال سياسة، والدين، والإعلاميّين، وغيرهم ممّن يحمون هذا النظام. ويُسأل عن هذه الجريمة، وإن بشكل أقلّ بكثير، الناس التي تسير إثر هذه الزعامات المجرمة. هذا الوعي يمكن أن يؤسّس لردّة فعل غاضبة صحيحة عوض ردّات الفعل الهوجاء التي تنتهي بعاصفة لغويّة لا يلاحظها التاريخ. عوض توجيه الغضب بنفاق نحو مجموعة واحدة من رجال السياسة والاقتصاد والدين، دون مجموعة أخرى ("الكلّ إلاّ زعيمي")، وعوض توجيهه نحو مجرم وهميّ (جماعة ضعيفة). يمكن للإنسان أن يوجّه غضبه نحو المجرمين الحقيقيّين: الزعماء والمصرفيّين وحماتهم من رجال الدين؛ وخلف المجرمين إلى طبيعة النظام الذي لن يولّد في الحكم إلاّ مجرمين ومستغلّين. عندها يكون الغضب ساطعًا وله حظّ بأن يلد مجتمعا تشرق فيه شمس العدل، عوض أن يكون الغضب ظلاميّا مدمّرا للمجتمع ومُنتِجا لخسارة جماعيّة لما تبقّى من حرّية ولما تبقّى من إمكانيّة لبناء غد أفضل. عندها تتحوّل النزعة العدوانيّة إلى نزعة نضاليّة وتتوجّه من التدمير العشوائيّ إلى التغيير الهادف. جميعنا ضحايا بطريقة أو بأخرى، وجميعنا مسؤولون بطريقة أو بأخرى عن استمرار هذا النظام الذي يقتلنا، ولطالما خلق الإنسان أنظمة، واستعبد نفسه لها، وتغرّب عن نفسه وقدراته. المجرمون الحقيقيّون هم الذين ذكرناهم جميعًا، ولكن جذر الأسباب هو النظام الطائفيّ القائم. دون تغيير هذا النظام، سنبقى في نظام الجريمة. المطلوب إسقاط هذا النظام-الجريمة وبناء نظام مدني عادل للناس جميعا. فلنغضب الغضب الحقّ، غضب مناهضة جماعيّة للظلم، لا تفرّق بين الطوائف والمناطق. فلنغضب هذا الغضب الحلال. فلنغضب من المجرمين الحقيقيّين الذين يريدوننا أن نغضب ضدّ بعضنا البعض غضبًا حرامًا يسمح لهم بمتابعة استغلالنا. "إنّ الغضب أيضًا له نصيب في الخير بقدر ما هو دافع لإصلاح الشرور الظاهرة من خلال إعادتها إلى ما يبدو جميلًا"، كما يقول ديونيسيوس الأريوباغي (اللاهوتيّ المجهول من القرن الخامس-السادس). إن جمعنا غضبنا مع رغبتنا بالحقّ والعدالة للجميع دون أيّ استثناء، نكون في المحبّة. فلنغضب هذا الغضب. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |