خريستو المرّ – السبت ٢٣ كانون أوّل/ديسمبر ٢٠٢٣
في العراء الكامل، بلا بيت، بل شيء، جاءَ هو طفلًا عاريًا، واضعًا رأسه على صدر امرأة، متروكًا بهشاشةٍ لحنانها. وبالعراء الكامل غادر لاحقًا، أمام حنانها المفجوع تحت صليب. وبالعراءين الكاملَين حطّم يسوع صورة إله الـحرب إلى الأبد، وبذلك مات الإله القاتل، ولم تمت قدرتُنا على تنصيبه مجدّدا، سيّدَ ظلمةٍ، ندعوه نورًا لنكون خدعةً. جاءَ طفلًا عاريًا، وجاءَ جواب القُساةِ حمّامَ دمٍ في بيت لحم. أطفالٌ يذبحهم هيردوسٌ يتناسلُ عبر الأجيال في كلِّ سفّاحٍ جعلته الكراهيةُ، وصمتُ الآخرين سيّدَ العسكر. كلّ طفلٍ ذبيحٍ واحدٌ مع طفل المغارة، ذاك الذي صار شابًا متوّجًا بالشوكِ والدم. فمَن عيّد له اليوم حمل في قلبه الأطفالَ المطعونين بحربة البطشِ، كي لا ينسى مَن هو السيّدُ الوحيدُ ولا يجعل سيّدًا لحياته غيرَ الحبّ. بين عراء المذود وعراء الصليب قال الطفل السيّدُ حبَّه حتّى لا يبقى قلبٌ بلا رجاءٍ، حتّى يشرقَ النورُ في الظلمة كلّما وقف إنسانٌ في وجه العتاةِ فسكب قلبه أو دمه، ليكون شهيدًا وشاهدًا لذلك الشهيدُ خارج أسوار المدينة، القديمةِ في عنجهيّتها. مَن عرف المجدَ الإلهيَّ في ذاك الذي لفّتْهُ أمُّه بأقمطةٍ في مود العراء، رأى الأطفالَ الملفوفين بأقمطةٍ في عراءِ شوارع غزّة، كبارًا في قلب الألوهة التي تلفّ براءَتهم في كلّ حين. ورأى البياض الـمُلتمع في دموع أمّهاتهم نداءً إلهيّا كي يقفَ في وجه الوحش ويسدّد له طعنة جاورجيوس. ورأى اليوم التنّين ساقطًا كالبرق في الهاوية لأنّه آمن أنّ هشاشةَ الطفولةِ تغلب الوحش. وتتمّ الرؤيةُ إذا تابَ القلبُ إلى جمال الحبّ الذي يحوّله إلى نارٍ ملتهبةٍ تشعل العالم ولا تحرقه، ليصبحَ عائلة ًمن ضوء. ويلفّ التائبُ، أي المحبُّ، بشيءٍ من الزهد كلَّ التماعٍ له في الدنيا، فيقاوم ويجازفُ حتّى يبقى الحبُّ وسط العالم فيصبح كنيسة. في المود رسَمَ الله وجهَ الإله القابل للجرح والألم. ولذلك يراه المحبّون في وجوه المرميّين على طرقات الموت في غزّة. فمَن قرأ الحبّ الإلهيّ المسكوبَ طفلًا في مذودٍ يقوده الحبُّ إلى المتروكين العراةِ من الخبز والماء والسقفِ والدواءِ، أولئك المسلوبين من ألق الحياة، أولئك المطروحين للموت والشامخين أحياءَ بكامل كرامتهم البشريّة، رافعين سبابتهم في وجه الوحش، أحرارًا من إرهابه. هذا الوحيد لأبيه السماويّ، الملفوف بالضعفِ في مذودِ، والملفوف بالضعفِ فوق آلام الصليب، قام ليصبح وحيدَ الإنسانيّة، أوّلَ المولودين في نسل الظافرين على الموت، أولئك الذين يصيرون إخوته حين يتوحّدون بهشاشته وأوجاعه فلا يحنون ركبةً لوحشٍ. بأولئك تصبح هنيهةُ التجلّي على جبلٍ شعشعةً سرّيةً تمتدّ في الكون، وتسكن كلّ وجه وكلّ جسدٍ أحبّ فغلب الموت. بهؤلاء تتجدّد أزليّة المملكة الأبديّة بالحياة الأرضيّة حين تتصاعد أناشيدُ النصر لتدقّ أبواب السماء بقلوب الذين أحبّوا، فيكون فرح كما في السماء كذلك على الأرض، وتتمّ مشيئة الآب. حينها، يمكن للإنسان أخيرًا أن يولدَ؛ يمكنه، كطفلِ المذودِ، أن يضع رأسَه بهدوءٍ على صدرِ الله، ويسلم القلب للنبع، ويقول: قد تمّ. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |