الثلاثاء ١٩ كانون الثاني، ٢٠٢١
خريستو المرّ أن يكتب رجلٌ مقالة عن وضع المرأة في الكنيسة هو دليلٌ على مدى تدهور هذا الوضع. ومن علامات بدايات التحسّن أن تخوض نساءٌ - في مستقبل نرجوه قريبًا - هذا النقاش وتقدن عمليّة ... التغيير ... الضروريّة المرافقة له. الكنيسة الأرثوذكسيّة تغيّب المرأة عن أمور بديهيّة تخصُّها، ولا أجد مثلاً أكثر دلالةً على هذا الوضع من لقاء المجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ لشؤون العائلة منذ عامين بحضور أكثر من ستّين رجلا وامرأتين فقط! هذا، في الوقت الذي يحتفل فيه المعهد اللاهوت الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ الوحيد الناطق بالعربيّة، معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ في جامعة البلمند، بذكرى تأسيسه الخمسين، بينما يبلغ عدد الأستاذات المتفرّغات فيه.... صفرًا. نحن بعيدون كلّ البعد عن مسألة كهنوت المرأة، فحتّى وضع المرأة كشمّاسة (مساعدة للكاهن) في الكنيسة، وهو وضع له أسس تاريخيّة، ليس مطروحًا؛ مع أنّ طرحه، والعودة إليه - عمليّا وليس نظريّا – خطوة لها أن تفضي إلى حركة فكريّة وشعبيّة لطرح مسألة كهنوت المرأة في جوّ أقلّ انغلاقًا. بالطبع، يعرقل أيّ تفكير جدّي في موضوع مشاركة المرأة الكاملة في حياة الكنيسة، حالة من الانغلاق والضحالة الفكريّين، والتكرار الببّغائيّ للماضي، والجمود، كما وغياب روح القيادة الذي تكشفه الأزمة تلو الأخرى (التحرّش الجنسيّ، كورونا). على أنّ هذا الواقع لا يمنع من طرح الأسئلة، وأجوبة ممكنة لها. ما هو المانع اللاهوتيّ لكهنوت المرأة؟ ما من سبب مقنع. يسوع اختار ١٢ رَجُلاً تلاميذَ له، ولم يختر امرأة تلميذة ورسولةً؛ لكنّ هذا لا يعني أنّه لم يَشَأ أن تكون المرأة كاهنة. خيار يسوع لرجالٍ لا يعدو كونه تعبيرًا عن حالة المجتمع: اليوم عام ٢٠٢١ لا توجد امرأة واحدة أستاذة متفرّغة في معهد اللاهوت، فهل يمكن تخيّل امرأة عميدة لمعهد اللاهوت؟ فإذا كان الوضع كذلك اليوم فمن كان سيقبل امرأة في وضع قياديّ أيّام يسوع؟ يسوع تعامل مع مجتمعه بشكل عمليّ: إن كان يريد للناس أن تسمع رسالته كان بحكم الواقع مضطرًا أن يختار رجالاً رُسلًا له. هذا ليس دليلًا على أنّ المشيئة الإلهيّة لم تُرِد للمرأة أن تكون كاهنة. المرأة والرجل كلاهما على صورة الله، فالله «خلق الإنسان على صورته ومثاله، ذكرًا وأنثى خلقه»، هناك، إذًا، مساواة كيانيّة بين الرجل والمرأة لا يمكن تهميشها بشكل من الأشكال، المرأة مساوية للرجل في الجوهر. لذا، من الضروريّ التمسّك بهذه المساواة الأساس، وقراءة عدم اختيار يسوع امرأة من الاثني عشر تلميذ في إطارها التاريخيّ الواقعيّ. ورغم أهمّية الانجيل كلّه، تبقى تعاليم يسوع وتصرّفاته في الصدارة أكثر من الرسائل وما يرد فيها من أمور تخصّ ذلك الزمن ومشاكله (غطاء المرأة لرأسها أثناء الصلاة مثلاً، عبارة "خضوع" المرأة للرجل التي استعملها بولس ولو أنّه أعطاها معنى مختلفا). إنّ الدليل على أنّ الأولويّة في الكنيسة هي لكلام يسوع وتصرّفاته – كونه الكلمة المتجسّد نفسه - هو أنّ الكنيسة قرّرت أنّ الكتاب الوحيد الموضوع على المذبح المقدّس لا يحتوي إلاّ على الأناجيل الأربعة حصرًا، دون الرسائل. لا يمكن في النهاية مواءمة المساواة الكيانيّة بين الرجل والمرأة اللذين كلاهما معًا على «صورة الله»، وبين «خضوع» المرأة أو منعها عن ممارسة خدمة معيّنة، كالكهنوت. لا يمكن جمع المساواة في الكيان مع عدم المساواة في الوظائف؟ وبينما اللامساواة البيولوجيّة هي جزء من الطبيعة البشريّة، فإنّ اللامساواة الوظيفيّة ليست كذلك، هذه الأخيرة هي جزء من الاتّفاق الاجتماعيّ البشريّ المتغيّر، الذي حاول يسوع دكّه بتصرّفاته: ففي الزمن الذي كان الرجل فيه يصلّي لله ويشكره أنّه لم يخلقه امرأة (حرفيًّا) كان يسوع يحاور النساء ويسلّمهنّ رسالة التبشير بالقيامة. أمّا بالنسبة لفكرة أنّ الكاهن هو أيقونة المسيح، وأنّ المسيح هو رجل، فلذلك على الكاهن أن يكون رجلاً، فهي باطلة. فعدا على أنّه ليس في الله ذكورة ولا أنوثة، وأنّ وصفَنا لله بـ«الآب» لا يعدو كونه مقاربة للحقيقة الإلهيّة التي تبقى خارج كلّ تصوّراتنا عن الله، فإنّ المرأة والرجل كلاهما على صورة الله، هما إذًا أيقونة الله، بل أنّ القدّيس إيريناوس يرى بأنّ الإنسان -رجلاً كان أم امرأة- مخلوقٌ على صورة المسيح المتجسّد، وهذا يعني أنّ المرأة هي أيقونة المسيح كما أنّ الرجل هو أيقونة المسيح، بغضّ النظر عن الكهنوت. إنّ أيقونة المسيح ليس الكاهن وإنّما أساسًا الإنسان المتقدّس، أي المرأة التي صارت، أو الرجل الذي صار، مثل يسوع. أمّا من يتساءل لم هذا الإصرار على كهنوت المرأة فما من أمر مهمّ سوى سيادة المحبّة، فليتفكّر في شعوره إن اقترح عليه أحدٌ أن يستغني الرجال عن الكهنوت لصالح النساء، ويخضعوا لهذا الوضع بكلّ "محبّة". Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |