الخميس 4 حزيران/يونيو ٢٠٢٠
خريستو المرّ خبرة الجماعة والشخص، أو الوحدة والتمايز هي خبرة الحياة كلّها برأيي، لأنّها خبرة تحقيق المحبّة في الحياة اليوميّة يتّضح لنا في حدث العنصرة الذي عيّدنا له منذ أيّام وجهَي الوحدة والفرادة، فنزول الروح القدس كان على شكل ألسنة كأنّها من نار "استقرّت على ...كلّ واحد... منهم". لم يستقرّ الروح بهيئة لسان واحد وإنما ألسنة خاصّة إشارة إلى علاقة شخصيّة للروح القدس مع كلّ شخص؛ وهي تلك العلاقة الشخصيّة نفسها التي عبّر عنها يسوع بقوله "أدعو خرافي بأسمائها". وفي نفس الوقت في العنصرة غدا الجميع جماعة واحدة، كنيسة. هناك تشديد كبير في التربية الكنسيّة على وحدة الجماعة، وهذا حسن. لكنّ التوازن اللاهوتيّ لا يكون إلاّ بتشديد مقابل على دور الروح القدس الخاصّ والشخصيّ في قلب كلّ إنسان، بحيث نشدّد أنّ هناك حكاية شخصيّة فريدة لكلّ واحد في حكاية الجماعة مع الله؛ وأنّ هناك مسؤوليّة شخصية لكلّ شخص مع مسؤوليّة الجماعة كلّها. يجب ألاّ ننسى أنّه مع المعموديّة التي تجعلنا واحدًا في جسد المسيح، هناك الميرون وهو سرّ يؤكّد الشخص في فرادته وحرّيته وكرامته. لاهوتيّا، مسؤوليّة كلّ إنسان هي أن يصير شخصًا، وذلك بأن ينمو في تأكيد ذاته ومواهبه ودوره الفريد، وبأن يسعى في الآن نفسه أن يكون في وحدة مع غيره، أن ينمو نحو مثال أو "ملء قامة المسيح". الحياة الإنسانيّة الحقّة تجمع الوحدة والفرادة، في رقصة هي على صورة «رقصة الحبّ الأبديّة». موهبة الروح في النهاية هي موهبة نار الحبّ. سوف يأتي من يعمدكم "بالروح والنار"، قال يوحنّا. ونحن نأكل كلمة يسوع الملتهبة التي يعلّمنا إيّاها الروح ("هو يُعْلِمُكُم بكلّ شيء") لنكون لَـهبَه في هذا العالم. علّنا نصير كالعليقة الملتهبة في هذا المجتمع الذي نعيش فيه، ومن يشأ أن يأخذ من الملتهبين يلتهب، كما تصوّر خدمةُ صلاة سحر الفصح ("الهجمة") بروعة حيث نتناقل نار الشموع الخاصة من بعضنا البعض. النار الواحدة موزّعة شخصيّا وتوحّد الجميع في حكاية نرجوها محبّة. لكنّ الروح لأنّ حبّ فهو مـُعطى للكنيسة ليس لتحتكره. لا يجوز أن تستخدم الكنيسة ماء المعموديّة، معموديّة الروح، مرآةً تتأمّلُ فيها ذاتها بنرجسيّة وفوقيّة تحتقر العالم أو تنغلق عنه، بل ينبغي أن ترى بها حافزا لاحتضان العالم لإيمانها بأنّ من شرب من يسوع «تجري من بطْنه أنهار ماء حيّ». الروح يَهَبُ بغير حساب، والكنيسة تستقبل الروح ليس من أجلها ولكن «من أجل حياة العالم»، من أجل أن تعمل مع الله وتشارك غيرها في تقديم جواب بشريّ على نداء الله في التاريخ: أن يحبّ الناس بعضهم بعضا كما هو أحبّهم. ويتّضح ذلك من ترانيم العنصرة "مبارك أيّها المسيح إلهنا، يا من أظهرت الصيّادين غزيريّ الحكمة، إذ سكبت عليهم الروح القدس، وبهم اصطدت المسكونة". وكما أنّ فعل الروح القدس له يجمع وجهين وجها أسراريّا ينشئ الجماعة في يسوع، ووجها شخصيّا داخليّا يخاطب الحرّية الشخصيّة في الكرامة الإنسانيّة، فإنّ احتضان العالم، هو مهمّة شخصيّة وجماعيّة بآن. «اصطياد» المسكونة هو مسؤوليّة جماعيّة وشخصيّة، وهو بمثابة تقديم جواب شخصيّ وجماعيّ لحضور الروح في الكنيسة. وعندما يكون هناك مسؤوليّة فهناك ضرورة لتحديد ليس فقط الرؤية بل أيضا مقاييس للحقّ والباطل، للخطأ والصواب، ولو كانت المقاييس متغيّرة مع بتغيّر الأزمنة وغير كاملة وصادرة عن أناس خاطئون يتوبون. وهل من أحد كامل؟ أليست الكنيسة هي "جماعة الخطأة الذين يتوبون" كما قال أحدهم يوما؟ المقاييس توضع بحسب ما يوحيه الروح للكنائس في زمن ما، وبحسب ما يمكن للكنيسة أن تقرأه من "علامات الأزمنة". لا يمكن تعطيل قدرة الأشخاص على استقراء الانجيل واستيحائه ووضع المقاييس للحكم على السياسات والأفعال والأقوال والكتابات في الحياة البشريّة الملموسة، بحجّة أنّ الإنسان خاطئ ويحتاج لتوبة وانّ كمال الحقّ يتجاوزه دوما. في كلّ لحظة وامام أيّ موقف وفعل وعمل وسياسات، لا بدّ من قياس وحكم و....حوار... من أجل مقاربةٍ أقرب إلى الحقّ. وقد تكون بعض المقاربات متكاملة ولو مختلفة. الحياة عنايةٌ بالذات والآخرين، يفرضها شعور بالمسؤوليّة عن الذات والآخرين، وتُقدَّمُ باحترام لفرادة الذات والآخرين، وتطلّب معرفة للذات والآخرين ولهذا الكون وحقائقه، فكيف إن كانت الحياة جذرها إله محبّة، متجسّد ومصلوب لتكون للناس الحياة وتكون أوفر؟ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
December 2023
Categories |