فلسطين
مدوّنة، الثلاثاء ١١ أيّار/مايو ٢٠٢
مدوّنة، الثلاثاء ١١ أيّار/مايو ٢٠٢
الثلاثاء ١١ أيّار/مايو ٢٠٢١
خريستو المرّ
لماذا الفلسطينيّون حاضرون في ضميري وعملي؟ ليس لأنّهم من العالم العربيّ، ولا لأنّهم يُشبهونني لغةً أو ثقافةً، بل لأنّهم يُشبهون المسيح.
هم أيضًا يُشبهون إنسانًا أخبر عنه يسوع. إنسانٌ مضروبٌ متروكٌ على قارعة الزمن والشاشات يجتاز به بشرٌ قريبون منه، ولكنّهم يُسرعون الخُطى، لا يلتفتون إليه، لانشغالهم بالخبز وبالطقوس، أو بالنفط والمال والسلطة، إنسانٌ يحتاج أن يقف إلى جانبه إنسانٌ ليُصبحا قريبَيْنِ؛ وعندما أخبرَ يسوعُ عن ذاك الإنسانِ وَكَّلَني به كي لا يموت، وكي لا أموت إن ماتَ وحيدًا.
الفلسطينيُّ في ضميري لأنّه اليومَ يحمل سِمات المسيح الذي قال فيه إشعياء إنّه «محتقرٌ ومخذولٌ من الناس، إنسانُ أوجاعٍ ومختبِرٌ الحزنَ... مُحتقَرٌ فلمْ نَعتَدَّ به، لكنّ أحزانَنا حملها، وأوجاعَنا تحمّلها» حين أخَذَ عام ١٩٤٨ على جسده الضرباتِ الأولى للوحش الأوروبيّ القادم من بعيد. ونحن «حسبناه مُصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا» لأنّه في المخيّمات، وهو «مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا»، فإثمنا ومعصيتنا أنّنا نتركه وحيدًا معلَّقا على خشبة الاحتلال مسمّرًا بمسامير التمييز العنصريّ.
أنا مع دماء الفلسطينيّين لأنّهم كمظلومينَ نزيفُ الثائرِ المعلّق خارج الأسوار، وأنا أتيتُ وآتي من جنب المطعون بِحَرْبة. هناك شيءٌ في الكيان المُعَمَّدِ بكلمات يسوع، وبالروح الذي يهبّ في القلوب لتصبحَ سماءً أو تجلّياتِها، هناك شيءٌ يحتجّ ويرفض أن يستكينَ أمام الوجوه المضروبةِ بالظُلمِ، والدماءِ المسفوكةِ على الأرض. شيءٌ ما يخضُّه ويعود به بالذاكرة إلى هابيلَ الذي سفك أخوهُ دماءَه وأبغضه دون سبب. لا يسعُ مَن فتحت عينيه أحرفُ الإنجيل على يسوع أن يُغلقَهما عن يسوعَ الذي قال أنا والمظلوم واحد.
لا فصل بين آلام الناس وآلام السيّد الأوحد، سيّد الحبّ الثائر الذي يحضن طعنةً كي لا يُطعَنَ أحدٌ بعد الآن دون احتجاجٍ ومقاومةٍ. سيّدي أتى وقال لي: إقبلني فيكَ كي لا تنامَ نومةَ الموت، وانْزِل كلَّ جحيمٍ لتكسر معي أبوابَها، فتُعَمِّدَ معي الأرضَ بالحبّ لتصبحَ سماءً؛ أعدك أنّك قد تفقد أشياءَك، وأعدك أنّك لن تفقدَ نفسك.
المسيح لاجئٌ، وولدٌ حملَ حجرًا، وشابّةٌ دفعت عنها الشرطيَّ الذي ضربها، وشابٌ رفع العلمَ، وإنسانٌ قال إنّه يريد الحرّية، قالها بعُضوٍ من جسمه مبتورٍ، بصدرٍ مثقوبٍ، وبصرخةِ جسدِهِ تحت الركام.
الوقوف إلى جانب حياة الفلسطينيّين هو رفضٌ للظلم وشهادةٌ بأنّ حقوقَ الإنسان هي للجميع، وليست لمجموعة من الناس فقط. هو احتجاجٌ على نفاق الحكومات العربيّة والأوروبيّة والأميركيّة. وهاتان الأخيرتان ترتاحان لخطاب حقوق الإنسان، وتُشيحان بوجهيهما عن الإنسان المسحوق إن كان آخرَ ولم يكن حليفًا أو عبدًا، أي إن لم يكن وسيلةً لتحقيق مصالحها. وفي مكان ما، ترتاح «أخلاقها» للانكسار الفلسطينيّ لأنّه يسمح لها أن تُدْفِقَ العطاءَ الماليّ لتخدّر احتجاجاتِ الضمير على حمايتها لسياسات القتل والعنصريّة، ولنظام الفصل العنصريّ. فيصبح الشقاء الفلسطينيّ مرآة ترى فيه بِرّها.
تمرّدُ الفلسطينيّين الكاملُ شهادةٌ على أنّ التوقَ إلى الحرّيةِ لا يمكن أن يُقمَع. فلا حياة على هذه الأرض لا لاحتلالٍ، ولا لنظامِ فصلٍ عنصريٍّ إسرائيليّ، ولا لنظام قمعٍ عربيٍّ يقتات بالنفاق. التمرُّدُ الفلسطينيّ يشهدُ لعظمة الإنسان الواقف أمام "الوحش الطالع من الهاوية" والمتسلّح بحقّه في الحياة وفي الأرض، يشهد لانتصار «جاورجيوس» القادم.
يحتفل المسيحيّون بعيد الصعود بعد شهر، و«صعود يسوعَ إلى السماء» إشارةٌ إلى أنّ المصيرَ الذي يريده المسيح للإنسان هو أن يسكن الكرامةَ والنورَ مع الله. كلّ نشاطٍ يحترم الكرامة الإنسانيّة، ويعمل في سبيل تحريرها، ونموّها في أضواء الحرّية، ترجمةٌ للصعود. ويحتفل المسلمون بعيد الفطر بعد يوم فرحًا يتوّجُ مسيرة عبور صحراء الصوم.
ويومًا ما سنحتفل بالفطرِ بحرّية، في عرس سماءٍ وأرضٍ جدّدتهما محبّةُ الحقّ المناضِل، فيُنزِلُ ربّنا علينا مائدةً للحرّيةِ والكرامةِ «مائدةً من السماء تكون لنا عيدًا لأوّلِنا وآخرِنا وآيةً» منه (المائدة، ١١٤)، فنفرح بفلسطين في فلسطين.
خريستو المرّ
لماذا الفلسطينيّون حاضرون في ضميري وعملي؟ ليس لأنّهم من العالم العربيّ، ولا لأنّهم يُشبهونني لغةً أو ثقافةً، بل لأنّهم يُشبهون المسيح.
هم أيضًا يُشبهون إنسانًا أخبر عنه يسوع. إنسانٌ مضروبٌ متروكٌ على قارعة الزمن والشاشات يجتاز به بشرٌ قريبون منه، ولكنّهم يُسرعون الخُطى، لا يلتفتون إليه، لانشغالهم بالخبز وبالطقوس، أو بالنفط والمال والسلطة، إنسانٌ يحتاج أن يقف إلى جانبه إنسانٌ ليُصبحا قريبَيْنِ؛ وعندما أخبرَ يسوعُ عن ذاك الإنسانِ وَكَّلَني به كي لا يموت، وكي لا أموت إن ماتَ وحيدًا.
الفلسطينيُّ في ضميري لأنّه اليومَ يحمل سِمات المسيح الذي قال فيه إشعياء إنّه «محتقرٌ ومخذولٌ من الناس، إنسانُ أوجاعٍ ومختبِرٌ الحزنَ... مُحتقَرٌ فلمْ نَعتَدَّ به، لكنّ أحزانَنا حملها، وأوجاعَنا تحمّلها» حين أخَذَ عام ١٩٤٨ على جسده الضرباتِ الأولى للوحش الأوروبيّ القادم من بعيد. ونحن «حسبناه مُصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا» لأنّه في المخيّمات، وهو «مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا»، فإثمنا ومعصيتنا أنّنا نتركه وحيدًا معلَّقا على خشبة الاحتلال مسمّرًا بمسامير التمييز العنصريّ.
أنا مع دماء الفلسطينيّين لأنّهم كمظلومينَ نزيفُ الثائرِ المعلّق خارج الأسوار، وأنا أتيتُ وآتي من جنب المطعون بِحَرْبة. هناك شيءٌ في الكيان المُعَمَّدِ بكلمات يسوع، وبالروح الذي يهبّ في القلوب لتصبحَ سماءً أو تجلّياتِها، هناك شيءٌ يحتجّ ويرفض أن يستكينَ أمام الوجوه المضروبةِ بالظُلمِ، والدماءِ المسفوكةِ على الأرض. شيءٌ ما يخضُّه ويعود به بالذاكرة إلى هابيلَ الذي سفك أخوهُ دماءَه وأبغضه دون سبب. لا يسعُ مَن فتحت عينيه أحرفُ الإنجيل على يسوع أن يُغلقَهما عن يسوعَ الذي قال أنا والمظلوم واحد.
لا فصل بين آلام الناس وآلام السيّد الأوحد، سيّد الحبّ الثائر الذي يحضن طعنةً كي لا يُطعَنَ أحدٌ بعد الآن دون احتجاجٍ ومقاومةٍ. سيّدي أتى وقال لي: إقبلني فيكَ كي لا تنامَ نومةَ الموت، وانْزِل كلَّ جحيمٍ لتكسر معي أبوابَها، فتُعَمِّدَ معي الأرضَ بالحبّ لتصبحَ سماءً؛ أعدك أنّك قد تفقد أشياءَك، وأعدك أنّك لن تفقدَ نفسك.
المسيح لاجئٌ، وولدٌ حملَ حجرًا، وشابّةٌ دفعت عنها الشرطيَّ الذي ضربها، وشابٌ رفع العلمَ، وإنسانٌ قال إنّه يريد الحرّية، قالها بعُضوٍ من جسمه مبتورٍ، بصدرٍ مثقوبٍ، وبصرخةِ جسدِهِ تحت الركام.
الوقوف إلى جانب حياة الفلسطينيّين هو رفضٌ للظلم وشهادةٌ بأنّ حقوقَ الإنسان هي للجميع، وليست لمجموعة من الناس فقط. هو احتجاجٌ على نفاق الحكومات العربيّة والأوروبيّة والأميركيّة. وهاتان الأخيرتان ترتاحان لخطاب حقوق الإنسان، وتُشيحان بوجهيهما عن الإنسان المسحوق إن كان آخرَ ولم يكن حليفًا أو عبدًا، أي إن لم يكن وسيلةً لتحقيق مصالحها. وفي مكان ما، ترتاح «أخلاقها» للانكسار الفلسطينيّ لأنّه يسمح لها أن تُدْفِقَ العطاءَ الماليّ لتخدّر احتجاجاتِ الضمير على حمايتها لسياسات القتل والعنصريّة، ولنظام الفصل العنصريّ. فيصبح الشقاء الفلسطينيّ مرآة ترى فيه بِرّها.
تمرّدُ الفلسطينيّين الكاملُ شهادةٌ على أنّ التوقَ إلى الحرّيةِ لا يمكن أن يُقمَع. فلا حياة على هذه الأرض لا لاحتلالٍ، ولا لنظامِ فصلٍ عنصريٍّ إسرائيليّ، ولا لنظام قمعٍ عربيٍّ يقتات بالنفاق. التمرُّدُ الفلسطينيّ يشهدُ لعظمة الإنسان الواقف أمام "الوحش الطالع من الهاوية" والمتسلّح بحقّه في الحياة وفي الأرض، يشهد لانتصار «جاورجيوس» القادم.
يحتفل المسيحيّون بعيد الصعود بعد شهر، و«صعود يسوعَ إلى السماء» إشارةٌ إلى أنّ المصيرَ الذي يريده المسيح للإنسان هو أن يسكن الكرامةَ والنورَ مع الله. كلّ نشاطٍ يحترم الكرامة الإنسانيّة، ويعمل في سبيل تحريرها، ونموّها في أضواء الحرّية، ترجمةٌ للصعود. ويحتفل المسلمون بعيد الفطر بعد يوم فرحًا يتوّجُ مسيرة عبور صحراء الصوم.
ويومًا ما سنحتفل بالفطرِ بحرّية، في عرس سماءٍ وأرضٍ جدّدتهما محبّةُ الحقّ المناضِل، فيُنزِلُ ربّنا علينا مائدةً للحرّيةِ والكرامةِ «مائدةً من السماء تكون لنا عيدًا لأوّلِنا وآخرِنا وآيةً» منه (المائدة، ١١٤)، فنفرح بفلسطين في فلسطين.
فلسطين
- الأرض لنا
- حدود البلدان وحدود القلب
- فلسطين
- الفلسطينيّون وجه المسيح
- الإيمان المسيحي والمقاطعة وفلسطين
- جسدُ المسيح المرفوع في غزّة
- الثقافة والمقاطعة: أيّة علاقة؟
- الإنسان والمبادئ: حملة المقاطعة لإسرائيل
- خطاب المثقف العربي للمحتلّ هو المقاطعة
- أمين معلوف والمقاطعة
- الحبّ والمقاومة: مخاطر في كلام مرسيل خليفة
- فلسطين: وسائل تحرير عنفيّة أم لا عنفيّة؟
- زيارة البطريرك الراعي لإسرائيل
- دعوى المال ضدّ المقاومة
- مواجهة إسرائيل كمسؤوليّة إيمانيّة
- دعاية مذبحة