ما إن نشر الصحافي بيار أبي صعب مقالته «ليون الإسرائيلي؟» حتّى تبعه الكثير من الترحيب والكثير من التهجّم على نقده لمعلوف بسبب القبول بإجراء مقابلة تلفزيونيّة مع محطّة إسرائيليّة.
وقد رأى بعض المنتقدين أنّ المقالة تكاد تكون خطوة قبل الدعوة إلى القتل، أو أنّ النقد الذي تحمله ينبع من غيرة دفينة، وانبرى مَن يدافع عن معلوف كونه كان يتكلّم بموضوع «ثقافي محض» لا علاقة له بتلميع صورة إسرائيل، وأنّ الأمر كان «مجرّد» مقابلة لتلفزيون إسرائيلي. والبعض الآخر وضع انتقاد أبي صعب لمعلوف في خانة ثقافة التكفير ورأى أن طلب الاعتذار يراد منه التشفّي!
بالطبع لم تكن مقالة أبي صعب تمتّ بقريب أو بعيد لأيّة دعوة لإيذاء الكاتب معلوف، ولا يمكن التوقّف عند موضوع الغيرة المزعومة. ولكن الأمور الأخرى تحتاج إلى ردّ يضع الأمور في نصابها: معنى المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة.
يعرف كلّ مطّلع على مجريات تقدّم العلوم الإنسانيّة أنّه لا يوجد شيء اسمه أمر «ثقافي محض». إنّ فيلماً جميلاً مثل «سلامدوغ ميليونير» استدعى في كندا ردّاً من أستاذة في العلوم السياسيّة لأنّه حمل تسطيحاً لماهيّة الفقر وتغييباً لوجوه إنسانيّة إيجابيّة وخلاّقة موجودة لدى فقراء منطقة دهارافي في مومباي التي يصوّرها الفيلم. كلّ موقف ثقافي يحمل ضمنه رؤية سياسيّة وفكريّة وموقفاً من الحياة يحتمل أشياء من الخطأ ومن الصواب، من الحقيقة ومن تشويه الحقائق، إن لم يكن إلاّ بإخفاء وجوه فجّة من الحقيقة. عندما يقبل كاتب (أو كاتبة) أن يشارك في مقابلة، أو تقبل فنّانة (أو فنّان) أن تغنّي في حفل رسميّ في قلب نظام فصل عنصريّ، يحتلّ أراضي شعب، وينكر عليهم حقّهم في أراضيهم، ويمارس في حقّهم أشنع أنواع الإذلال اليوميّ أي التعذيب المعنويّ الدائم، ويسجن الأطفال، ويعتقل البالغات والبالغين من دون تهمة أو محاكمة (اعتقال «إداريّ»)، ويطلق سراح قاتلي الأطفال والأمّهات، ويتابع سياسة إجراميّة من الاحتلال والتنكيل والتعذيب، يكون ذاك الإنسان، بما لديه من وزن وحضور عام، شاء أم أبى، وعى أم لم يعِ، يضع ثقله المعنويّ إلى جانب هذا النظام بكونه يساهم مساهمة مباشرة من خلال حضوره الثقافيّ في تدعيم أركانه الثقافيّة الرسميّة. إذا فهمنا هذا الأمر، نفهم كيف لا تعود مقابلة تلفزيونيّة أو مقابلة في جريدة «مجرّد» مقابلة، وإنّما موقف سياسيّ داعم ليس لشخص أو آخر أو حزب أو آخر، بل لنظام كامل من الظلم والانتهاكات اليوميّة لحقوق الإنسان. مَن لا يأبه لهذا الواقع الفلسطينيّ، هو قد يرى أو لا يرى الإنسان المظلوم، ولكنّه بالتأكيد لا يرى الآلة العسكريّة السياسيّة الثقافيّة التي تشكّل الرافعة للنظام الظالم، النظام العنصريّ الاسرائيليّ. مَن يشارك في نشاط ثقافي رسميّ إسرائيليّ هو يدعم بشكل فاعل نظام الفصل العنصري ويغسل معنويّاً بمشاركته دم المسحوقين عن سكّين السفّاح، شاء أم لم يشأ، وعى أم لم يعِ.
ومن هنا ليس من هدف تكفيريّ في نقد مشاركٍ في نشاط ثقافيّ تختبئ خلفه الجريمة الإسرائيليّة، ولا هي دعوة إلى إيذائه، إنّها محاولة إلى نقد العمى الأخلاقيّ الذي يكون قد أصاب ذاك الفنّان أو الكاتب، والعمى الأخلاقيّ الذي يكون قد أصاب المجموعة من الناس التي لا ترى وجه الإنسان المدمّى خلف بريق أضواء وموسيقى وفنون وعلوم. ليس هناك أنصاف حلول مع القضيّة الفلسطينيّة، والظلم الإسرائيليّ، إمّا أنت مع حقوق الإنسان الفلسطيني (بغضّ النظر عن موقفك من قيادات هنا أو هناك، أو أحزاب هنا أو هناك، فلكلّ شعب خونته وسفّاحوه ولصوصه ومجرموه وعصاباته)، أو أنت مع الظالم. لا يمكن ادّعاء الدفاع عن حقوق الإنسان من دون أن يكون المرء داعماً، وعاملاً من أجل الإنسان الفلسطينيّ لأنّه إنسان مظلوم وحقوقه الإنسانيّة منتهكة، ولا يمكن ادّعاء الدفاع عن حقوق الإنسان من دون أن يكون المرء مناهضاً للنظام الإسرائيليّ كنظام، لأنّه نظام قائم على الجريمة والفصل العنصريّ تجاه شعب كامل.
إنّ كلّ موقف ثقافي يتضمّن حكماً موقفاً سياسيّاً كاملاً لا مهرب منه، ولهذا يستميت النظام الإسرائيليّ في توظيف أموال وجهود سياسيّة هائلة لجرّ أكبر عدد ممكن من العاملات والعاملين في المجالات الثقافيّة والعلميّة المختلفة للمشاركة في نشاطات في فلسطين المحتّلة. إنّ المقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة لإسرائيل هي عمل سلميّ بالكامل، عمل يدعم جهود هذا الشعب المحتلّة أرضه، والمنتهك كيانه، من أجل تحقيق حرّيته وكرامته في أرضه.
من أجل هذا الهدف، التزم الآلاف من البشر عبر بلدان وقارات وأفكار وأديان، ومنها بلادنا، بالعمل على دعم جهود مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، بينما يبقى بعض مواطنينا في البلاد العربية متخاذلاً، ويبقى البعض الآخر متردّداً، والبعض متلكّئاً. حسم آلاف الآلاف من المواطنين والفنّانين والأكاديميّين عبر العالم أمرهم ويقومون بعمل فاعل لمقاطعة إسرائيل، مقاطعةً تمتدّ سنة بعد سنة، وتثير قلقاً حقيقيّاً في دوائر القرار الإسرائيليّة.
ليس المطلوب من أمين معلوف الاعتذار، المطلوب منه أن يعود عن سوء التقدير لماهيّة موقفه وأثر هذا الموقف، أي أن يعود عن دعمه لإسرائيل بمنحها حضوره الثقافيّ الذي يؤدّي عمليّاً إلى غسل سكين الجلاّد، وإخفاء صرخة الضحيّة. وبعبارة أخرى، عبارةٌ ليست بقساوة الواقع الفلسطينيّ، نتمنّى أن يعود أمين معلوف عن زلّته الأخلاقيّة في الشأن الفلسطينيّ، وعند العودة لا يكون الاعتذار سوى تعبير عن رؤية أصفى للواقع، وعن موقف أكثر انسجاماً مع الحقّ الإنسانيّ للشعب الفلسطينيّ بالحياة والحرّية.
وقد رأى بعض المنتقدين أنّ المقالة تكاد تكون خطوة قبل الدعوة إلى القتل، أو أنّ النقد الذي تحمله ينبع من غيرة دفينة، وانبرى مَن يدافع عن معلوف كونه كان يتكلّم بموضوع «ثقافي محض» لا علاقة له بتلميع صورة إسرائيل، وأنّ الأمر كان «مجرّد» مقابلة لتلفزيون إسرائيلي. والبعض الآخر وضع انتقاد أبي صعب لمعلوف في خانة ثقافة التكفير ورأى أن طلب الاعتذار يراد منه التشفّي!
بالطبع لم تكن مقالة أبي صعب تمتّ بقريب أو بعيد لأيّة دعوة لإيذاء الكاتب معلوف، ولا يمكن التوقّف عند موضوع الغيرة المزعومة. ولكن الأمور الأخرى تحتاج إلى ردّ يضع الأمور في نصابها: معنى المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة.
يعرف كلّ مطّلع على مجريات تقدّم العلوم الإنسانيّة أنّه لا يوجد شيء اسمه أمر «ثقافي محض». إنّ فيلماً جميلاً مثل «سلامدوغ ميليونير» استدعى في كندا ردّاً من أستاذة في العلوم السياسيّة لأنّه حمل تسطيحاً لماهيّة الفقر وتغييباً لوجوه إنسانيّة إيجابيّة وخلاّقة موجودة لدى فقراء منطقة دهارافي في مومباي التي يصوّرها الفيلم. كلّ موقف ثقافي يحمل ضمنه رؤية سياسيّة وفكريّة وموقفاً من الحياة يحتمل أشياء من الخطأ ومن الصواب، من الحقيقة ومن تشويه الحقائق، إن لم يكن إلاّ بإخفاء وجوه فجّة من الحقيقة. عندما يقبل كاتب (أو كاتبة) أن يشارك في مقابلة، أو تقبل فنّانة (أو فنّان) أن تغنّي في حفل رسميّ في قلب نظام فصل عنصريّ، يحتلّ أراضي شعب، وينكر عليهم حقّهم في أراضيهم، ويمارس في حقّهم أشنع أنواع الإذلال اليوميّ أي التعذيب المعنويّ الدائم، ويسجن الأطفال، ويعتقل البالغات والبالغين من دون تهمة أو محاكمة (اعتقال «إداريّ»)، ويطلق سراح قاتلي الأطفال والأمّهات، ويتابع سياسة إجراميّة من الاحتلال والتنكيل والتعذيب، يكون ذاك الإنسان، بما لديه من وزن وحضور عام، شاء أم أبى، وعى أم لم يعِ، يضع ثقله المعنويّ إلى جانب هذا النظام بكونه يساهم مساهمة مباشرة من خلال حضوره الثقافيّ في تدعيم أركانه الثقافيّة الرسميّة. إذا فهمنا هذا الأمر، نفهم كيف لا تعود مقابلة تلفزيونيّة أو مقابلة في جريدة «مجرّد» مقابلة، وإنّما موقف سياسيّ داعم ليس لشخص أو آخر أو حزب أو آخر، بل لنظام كامل من الظلم والانتهاكات اليوميّة لحقوق الإنسان. مَن لا يأبه لهذا الواقع الفلسطينيّ، هو قد يرى أو لا يرى الإنسان المظلوم، ولكنّه بالتأكيد لا يرى الآلة العسكريّة السياسيّة الثقافيّة التي تشكّل الرافعة للنظام الظالم، النظام العنصريّ الاسرائيليّ. مَن يشارك في نشاط ثقافي رسميّ إسرائيليّ هو يدعم بشكل فاعل نظام الفصل العنصري ويغسل معنويّاً بمشاركته دم المسحوقين عن سكّين السفّاح، شاء أم لم يشأ، وعى أم لم يعِ.
ومن هنا ليس من هدف تكفيريّ في نقد مشاركٍ في نشاط ثقافيّ تختبئ خلفه الجريمة الإسرائيليّة، ولا هي دعوة إلى إيذائه، إنّها محاولة إلى نقد العمى الأخلاقيّ الذي يكون قد أصاب ذاك الفنّان أو الكاتب، والعمى الأخلاقيّ الذي يكون قد أصاب المجموعة من الناس التي لا ترى وجه الإنسان المدمّى خلف بريق أضواء وموسيقى وفنون وعلوم. ليس هناك أنصاف حلول مع القضيّة الفلسطينيّة، والظلم الإسرائيليّ، إمّا أنت مع حقوق الإنسان الفلسطيني (بغضّ النظر عن موقفك من قيادات هنا أو هناك، أو أحزاب هنا أو هناك، فلكلّ شعب خونته وسفّاحوه ولصوصه ومجرموه وعصاباته)، أو أنت مع الظالم. لا يمكن ادّعاء الدفاع عن حقوق الإنسان من دون أن يكون المرء داعماً، وعاملاً من أجل الإنسان الفلسطينيّ لأنّه إنسان مظلوم وحقوقه الإنسانيّة منتهكة، ولا يمكن ادّعاء الدفاع عن حقوق الإنسان من دون أن يكون المرء مناهضاً للنظام الإسرائيليّ كنظام، لأنّه نظام قائم على الجريمة والفصل العنصريّ تجاه شعب كامل.
إنّ كلّ موقف ثقافي يتضمّن حكماً موقفاً سياسيّاً كاملاً لا مهرب منه، ولهذا يستميت النظام الإسرائيليّ في توظيف أموال وجهود سياسيّة هائلة لجرّ أكبر عدد ممكن من العاملات والعاملين في المجالات الثقافيّة والعلميّة المختلفة للمشاركة في نشاطات في فلسطين المحتّلة. إنّ المقاطعة الثقافيّة والأكاديميّة لإسرائيل هي عمل سلميّ بالكامل، عمل يدعم جهود هذا الشعب المحتلّة أرضه، والمنتهك كيانه، من أجل تحقيق حرّيته وكرامته في أرضه.
من أجل هذا الهدف، التزم الآلاف من البشر عبر بلدان وقارات وأفكار وأديان، ومنها بلادنا، بالعمل على دعم جهود مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، بينما يبقى بعض مواطنينا في البلاد العربية متخاذلاً، ويبقى البعض الآخر متردّداً، والبعض متلكّئاً. حسم آلاف الآلاف من المواطنين والفنّانين والأكاديميّين عبر العالم أمرهم ويقومون بعمل فاعل لمقاطعة إسرائيل، مقاطعةً تمتدّ سنة بعد سنة، وتثير قلقاً حقيقيّاً في دوائر القرار الإسرائيليّة.
ليس المطلوب من أمين معلوف الاعتذار، المطلوب منه أن يعود عن سوء التقدير لماهيّة موقفه وأثر هذا الموقف، أي أن يعود عن دعمه لإسرائيل بمنحها حضوره الثقافيّ الذي يؤدّي عمليّاً إلى غسل سكين الجلاّد، وإخفاء صرخة الضحيّة. وبعبارة أخرى، عبارةٌ ليست بقساوة الواقع الفلسطينيّ، نتمنّى أن يعود أمين معلوف عن زلّته الأخلاقيّة في الشأن الفلسطينيّ، وعند العودة لا يكون الاعتذار سوى تعبير عن رؤية أصفى للواقع، وعن موقف أكثر انسجاماً مع الحقّ الإنسانيّ للشعب الفلسطينيّ بالحياة والحرّية.
فلسطين
- الأرض لنا
- حدود البلدان وحدود القلب
- فلسطين
- الفلسطينيّون وجه المسيح
- الإيمان المسيحي والمقاطعة وفلسطين
- جسدُ المسيح المرفوع في غزّة
- الثقافة والمقاطعة: أيّة علاقة؟
- الإنسان والمبادئ: حملة المقاطعة لإسرائيل
- خطاب المثقف العربي للمحتلّ هو المقاطعة
- أمين معلوف والمقاطعة
- الحبّ والمقاومة: مخاطر في كلام مرسيل خليفة
- فلسطين: وسائل تحرير عنفيّة أم لا عنفيّة؟
- زيارة البطريرك الراعي لإسرائيل
- دعوى المال ضدّ المقاومة
- مواجهة إسرائيل كمسؤوليّة إيمانيّة
- دعاية مذبحة