الفلسطينيُّون والتحرُّر: موقف مسيحيّ
دار الآداب، بيروت، (إلكترونيّ ٢٠٢١ - ورقيّ ٢٠٢٢)
متوفّر في نسخة ورقيّة (دار الآداب) ونسخة إلكترونيّة مجّانيّة (أبجد) وعلى (أمازون-كيندل)
دار الآداب، بيروت، (إلكترونيّ ٢٠٢١ - ورقيّ ٢٠٢٢)
متوفّر في نسخة ورقيّة (دار الآداب) ونسخة إلكترونيّة مجّانيّة (أبجد) وعلى (أمازون-كيندل)
مقّدمة الكاتب
خريستو المرّ
ليست قضيّة فلسطين بقضيّة دينيّة وإنّما هي قضيّة سياسيّة تتعلّق بحقوق الإنسان، وبالعدالة التي يجب أن يتمتّع بها الناس جميعًا. ولكن ما من عدالة يمكنها أن تقوم على هذه الأرض دون نضالٍ، وإنْ كان يمكن للناس أن يتحاوروا حول الوسائلَ النضاليّة الأجدى في لحظة تاريخيّة ما، فإنّه لا مناص لهم من النضال للوصول إلى العدالة. هذه الرؤية تشكّل الأرضيّة الواقعيّة لهذا الكتاب.
بالإضافة إلى ذلك، يرتكز هذا الكتاب على إيمان مسيحيّ يحاول أن يقرأ لبّ رسالة يسوع ببساطتها الإنجيليّة من زاوية الفلسطينيّ المظلوم. يلفت نظرنا في الإنجيل أنّ يسوع، وفي المرّة الوحيدة التي تحدّث فيها عن دخول الناس الملكوت مستخدمًا مقياسًا عمليًّا واضحًا (متّى 25: 31 - 46) قال ما معناه: لن "تدخلوا الملكوت" إلّا بي، ولتكونوا معي يجب أن ترفعوا الظلم عن المظلوم فتقدّمون الماء للعِطاش والأكل للجائعين وتعتنوا بالمرضى وتقفوا إلى جانب الغريب، أي يجب أن تعملوا على تحرّر المظلومين فأنا والمظلومين واحدٌ. ولكنّ يسوع لم يتوقّف عند هذا، وإنّما كشف في نفس الخطاب وجهًا آخر لمقياس "دخول الملكوت" فقال ما معناه: إذًا، لا يكفي ألّا تصنعوا الشرّ، بل عليكم أن تعملوا بشكل فاعل لمواجهة الشرّ، لرفع الظلم وإحلال الخير، فإنْ لم تكونوا عمليًّا إلى جانب المظلومين تكونوا قد تركتموني ولن يكون عندها بإمكانكم "دخول الملكوت" لأنّني أنا والمظلومين واحدٌ. هذا المقياس الذي وضعه يسوع نفسه، يشكّل الخلفيّة الإيمانيّة التي تنبع منها رؤيتنا الأخلاقيّة للقضيّة الفلسطينيّة، ولكلّ قضيّة محقّة أخرى في هذا العالم. لا حياد تجاه المظلوم.
إلّا أنّ الرؤية الإيمانيّة هذه لا يمكنها أن تثبت إلّا بالبحث والجدّ والوعي، وهذه تتعمّق جميعها بالنضال اليوميّ والتعاون الجماعيّ. ولهذا كان لا بدّ من خوض التفاصيل الواقعيّة لحياة الفلسطينيّين لأنّ تحرير الوعي أساس لتتحرّر الإرادة والقدرة على النضال. مَنْ أقنعه المستفيدون من الظلم في أكثر من بلد، بأنّ كلّ شيء على ما يرام، أو بأنّ الفلسطينيّين غيرُ مُحِقّين في سعيهم للعدالة، أو بأنّ المُحتَلَّ "مظلوم"، حُيِّدَ عن النضال وتعطّلت إرادته وقدرته.
بوعي الواقع الظالم، يمكن الانخراط في النضال من أجل المظلوم، وذلك يعني في حالتنا يمكن للإنسان خوص النضال من أجل تحرّر الفلسطينيّين وإحقاق حقوقهم وتحقيق العدالة لهم. عندها يستطيع الإنسان أن يحيا حياته الإيمانيّة في واقع حياته اليوميّة، ويكتشف أنّه يمكنه أن يشارك الله في ورشة تحرير الناس من الخطيئة (والتي تعني حرفيّا إخطاء الهدف، هدف المحبّة)، ومن أثار الخطيئة الجماعيّة، تلك الآثار المتمثّلة بالاستغلال وبالقمع، أي المتمثّلة بانعدام العدالة. ورشة التحرير هذه، تحرّر المظلوم أساسًا، ولكنّها أيضًا تردع الظالم فتفتح أمامه الطريق كي يرجع عن غيّه. فإذا بالحياة الأرضيّة ترجمةٌ وتَمَثُّلٌ - ولو محدود وهشّ - للحياة في الملكوت. وبالنسبة للمسيحيّين، هذا لقاء بيسوع في وجوه المظلومين، في وجوه الفلسطينيّين.
خريستو المرّ
تورونتو، في أنوار الميلاد، 11 كانون اوّل 2021
بالإضافة إلى ذلك، يرتكز هذا الكتاب على إيمان مسيحيّ يحاول أن يقرأ لبّ رسالة يسوع ببساطتها الإنجيليّة من زاوية الفلسطينيّ المظلوم. يلفت نظرنا في الإنجيل أنّ يسوع، وفي المرّة الوحيدة التي تحدّث فيها عن دخول الناس الملكوت مستخدمًا مقياسًا عمليًّا واضحًا (متّى 25: 31 - 46) قال ما معناه: لن "تدخلوا الملكوت" إلّا بي، ولتكونوا معي يجب أن ترفعوا الظلم عن المظلوم فتقدّمون الماء للعِطاش والأكل للجائعين وتعتنوا بالمرضى وتقفوا إلى جانب الغريب، أي يجب أن تعملوا على تحرّر المظلومين فأنا والمظلومين واحدٌ. ولكنّ يسوع لم يتوقّف عند هذا، وإنّما كشف في نفس الخطاب وجهًا آخر لمقياس "دخول الملكوت" فقال ما معناه: إذًا، لا يكفي ألّا تصنعوا الشرّ، بل عليكم أن تعملوا بشكل فاعل لمواجهة الشرّ، لرفع الظلم وإحلال الخير، فإنْ لم تكونوا عمليًّا إلى جانب المظلومين تكونوا قد تركتموني ولن يكون عندها بإمكانكم "دخول الملكوت" لأنّني أنا والمظلومين واحدٌ. هذا المقياس الذي وضعه يسوع نفسه، يشكّل الخلفيّة الإيمانيّة التي تنبع منها رؤيتنا الأخلاقيّة للقضيّة الفلسطينيّة، ولكلّ قضيّة محقّة أخرى في هذا العالم. لا حياد تجاه المظلوم.
إلّا أنّ الرؤية الإيمانيّة هذه لا يمكنها أن تثبت إلّا بالبحث والجدّ والوعي، وهذه تتعمّق جميعها بالنضال اليوميّ والتعاون الجماعيّ. ولهذا كان لا بدّ من خوض التفاصيل الواقعيّة لحياة الفلسطينيّين لأنّ تحرير الوعي أساس لتتحرّر الإرادة والقدرة على النضال. مَنْ أقنعه المستفيدون من الظلم في أكثر من بلد، بأنّ كلّ شيء على ما يرام، أو بأنّ الفلسطينيّين غيرُ مُحِقّين في سعيهم للعدالة، أو بأنّ المُحتَلَّ "مظلوم"، حُيِّدَ عن النضال وتعطّلت إرادته وقدرته.
بوعي الواقع الظالم، يمكن الانخراط في النضال من أجل المظلوم، وذلك يعني في حالتنا يمكن للإنسان خوص النضال من أجل تحرّر الفلسطينيّين وإحقاق حقوقهم وتحقيق العدالة لهم. عندها يستطيع الإنسان أن يحيا حياته الإيمانيّة في واقع حياته اليوميّة، ويكتشف أنّه يمكنه أن يشارك الله في ورشة تحرير الناس من الخطيئة (والتي تعني حرفيّا إخطاء الهدف، هدف المحبّة)، ومن أثار الخطيئة الجماعيّة، تلك الآثار المتمثّلة بالاستغلال وبالقمع، أي المتمثّلة بانعدام العدالة. ورشة التحرير هذه، تحرّر المظلوم أساسًا، ولكنّها أيضًا تردع الظالم فتفتح أمامه الطريق كي يرجع عن غيّه. فإذا بالحياة الأرضيّة ترجمةٌ وتَمَثُّلٌ - ولو محدود وهشّ - للحياة في الملكوت. وبالنسبة للمسيحيّين، هذا لقاء بيسوع في وجوه المظلومين، في وجوه الفلسطينيّين.
خريستو المرّ
تورونتو، في أنوار الميلاد، 11 كانون اوّل 2021