الفلسطينيُّون والتحرُّر: موقف مسيحيّ
دار الآداب، بيروت، (إلكترونيّ ٢٠٢١ - ورقيّ ٢٠٢٢)
متوفّر في نسخة ورقيّة (دار الآداب) ونسخة إلكترونيّة مجّانيّة (أبجد) وعلى (أمازون-كيندل)
دار الآداب، بيروت، (إلكترونيّ ٢٠٢١ - ورقيّ ٢٠٢٢)
متوفّر في نسخة ورقيّة (دار الآداب) ونسخة إلكترونيّة مجّانيّة (أبجد) وعلى (أمازون-كيندل)
مقدّمة القسّ د. متري الراهب
أحد أهمّ روّاد لاهوت التحرير الفلسطينيّ - بيت لحم
فلسطين كانت وما زالت جرح الأمَّة النازف والذي لم يتوقَّف يومًا عن تذكير الضمير الإنسانيّ بذلك الظلم الذي وقع على شعب أعزل احتُلَّت أرضه بقوَّة السلاح، والذي شكَّل وما زال أحد آخر المشاريع الاستعماريَّة الاستيطانيَّة الاحتلاليَّة في العصر الحديث. وقد ظنَّ البعض أنَّ هذه القضيَّة قد طُويت صفحتها إلى غير رجعة، وفقدت مركزيَّتها وأهمِّيَّتها، ممَّا حدا ببعض الدول العربيَّة إلى الهرولة والتطبيع مع دولة الاحتلال وكأنَّ شيئًا لم يكن. وإذ سطَّر الفلسطينيُّون في الفترة الأخيرة في كلٍّ من الشيخ جرّاح في القدس وفي غزَّة والداخل المحتلّ صفحةً أُخرى من صفحات المقاومة والإباء والصمود، عادت فلسطين لتشكِّل الرقم الصعب الذي يصعب اختزاله، إذ لا يضيع حقّ ما دام هناك شعب يطالِب به ومستعدّ للتضحية من أجله. ولقد أكَّدت المظاهرات التي اجتاحت العالم مركزيَّة هذه القضيَّة ليس للشعب الفلسطينيّ فحسب، بل للضمير الإنسانيّ الذي يؤمن بالعدالة ويسعى نحوها.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمِّيَّة هذا الكتاب للصديق خريستو المرّ. فهو يكتب أوَّلًا كونه إنسانا ملتزمًا بقضايا الإنسان المظلوم أيًّا كان لونه أو عرقه أو جنسه، فلا فرق عنده بين اللاجئ السوريّ أو الافريقيّ الأميركيّ أو الفلسطينيّ المنتهكة حقوقهم. ولكنْ للفلسطينيّين مكانة خاصَّة لدى المؤلِّف، إذ يكتب: «لماذا الفلسطينيُّون حاضرون في ضميري وعملي؟ ليس لأنَّهم من العالم العربيّ، ولا لأنَّهم يشبهونني لغةً أو ثقافةً، بل لأنَّهم يُشبهون المسيح»؛ هنا تكمن فرادة هذا الكتاب الذي يُقدّم للقارئ العربي مقاربةً مسيحيَّةً، بل لاهوتيَّةً أصيلةً للقضيَّة الفلسطينيَّة، إذ ليست هذه قضيَّة إنسانيَّة أو عربيَّة فحسب، ولكنَّها أوَّلًا وأخيرًا قضيَّةٌ إيمانيّة وبامتياز. في هذا الجزء الرابع من الكتاب تظهر فرادة المؤلِّف، كيف لا وهو تلميذ كلٍّ من المطران جورج خضر والدكتور كوستي بندلي، وأحد أعضاء حركة الشبيبة الأرثوذكسيَّة.
هذا ويشكِّل الصليب بالنسبة لخريستو المرّ المفتاح الهرمنيوتيقيّ لفهم القضيَّة الفلسطينيَّة، فالفلسطينيُّون يحملون اليوم سمات ابن جلدتهم، فهم مصلوبون مثله، مجروحون، ومعتقلون ومحتقرون مثله. والإيمان المسيحيّ لا يقبل الحياد في مثل هذه الحالات، فالحياد في مثل هذه الظروف انحيازٌ للقويّ ضدّ الأخوة الأصاغر. والإيمان الحقيقيّ لا يقبل الخنوع ولا الاستسلام، بل لا يقنع إلَّا بالحرِّيَّة والعدالة والمحبَّة، والطريق إليها إنَّما يمرّ عبر المقاومة والنضال بأشكاله المتعدِّدة. هنا أيضًا يُقدِّم الكاتب إضاءةً لاهوتيَّة للاهوت التجسُّد الذي يأبى أن يروحن الإيمان رَوْحَنَةً رخيصةً تنقله إلى الميتافيزيقيا، بل ينادي الكاتب بإيمان واعٍ وفاعل، هو إيمان واعٍ لإدراكه أنَّ الشرّ في هذا العالم لم يكن يومًا وليد الصدفة أو القدر، بل إنَّما هو نتاج منظومةٍ اجتماعيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة ممنهجة وَجَبَ تفكيكها. ومن هذا المنطلق، يدعو الكاتب لمواجهة نظام الفصل العنصريّ الإسرائيليّ كمسؤوليَّة إيمانيَّة.
وهنا أيضًا تظهر فرادة هذا الكتاب الذي استبق تقارير منظَّمات حقوق الإنسان، كمنظَّمة بيتسلم الإسرائيليَّة، وهيومن رايتس واتش والتي أقرَّت في الأشهر الأخيرة أنَّ نظام الفصل العنصريّ قائمٌ في جانبَي الخطّ الأخضر. أمَّا دعوة الكاتب لمقاومة كلِّ أشكال التطبيع فتشكِّل حاجةً ملحَّة في زمن الهرولة العربيَّة للتطبيع مع الكيان الصهيونيّ وكأنَّ شيئًا لم يكن. وليست هذه الدعوة دعوةً نظريَّة، بل هي للكاتب حياةٌ إيمانيَّة، فمن عرف المؤلِّف عرف أنَّه إنسانٌ لا يُنظِّر بل يعيش ما يكتب كناشط في حركة كايروس فلسطين الدوليَّة، وفي حركة المقاطعة الـBDS . كما وتشكِّل أوراق هذا الكتاب ردًّا على محاولات «احتلال الوعي» في الصحافة الغربيَّة والدعاية الصهيونيَّة، والتي نحن اليوم في أمسِّ الحاجة لإماطة اللثام عنها ومواجهتها.
ولا يسعني في الختام إلَّا أنْ أُبارك للصديق العزيز على هذه الإضافة النوعيَّة للمكتبة العربيَّة وللمكتبة المسيحيَّة، وكلِّي أمل أنْ يُبصر الفلسطينيُّون الحرِّيَّة ويحظوا بالاستقلال، وأن تطأ قدما الكاتب ثرى فلسطين، فنحتفل معًا بقيامة مجيدة في مدينة القيامة وبانتصار الحياة على الموت والعدل على الظلم.
القسّ الدكتور متري الراهب
بيت لحم، فلسطين حزيران ٢٠٢١
ومن هذا المنطلق تأتي أهمِّيَّة هذا الكتاب للصديق خريستو المرّ. فهو يكتب أوَّلًا كونه إنسانا ملتزمًا بقضايا الإنسان المظلوم أيًّا كان لونه أو عرقه أو جنسه، فلا فرق عنده بين اللاجئ السوريّ أو الافريقيّ الأميركيّ أو الفلسطينيّ المنتهكة حقوقهم. ولكنْ للفلسطينيّين مكانة خاصَّة لدى المؤلِّف، إذ يكتب: «لماذا الفلسطينيُّون حاضرون في ضميري وعملي؟ ليس لأنَّهم من العالم العربيّ، ولا لأنَّهم يشبهونني لغةً أو ثقافةً، بل لأنَّهم يُشبهون المسيح»؛ هنا تكمن فرادة هذا الكتاب الذي يُقدّم للقارئ العربي مقاربةً مسيحيَّةً، بل لاهوتيَّةً أصيلةً للقضيَّة الفلسطينيَّة، إذ ليست هذه قضيَّة إنسانيَّة أو عربيَّة فحسب، ولكنَّها أوَّلًا وأخيرًا قضيَّةٌ إيمانيّة وبامتياز. في هذا الجزء الرابع من الكتاب تظهر فرادة المؤلِّف، كيف لا وهو تلميذ كلٍّ من المطران جورج خضر والدكتور كوستي بندلي، وأحد أعضاء حركة الشبيبة الأرثوذكسيَّة.
هذا ويشكِّل الصليب بالنسبة لخريستو المرّ المفتاح الهرمنيوتيقيّ لفهم القضيَّة الفلسطينيَّة، فالفلسطينيُّون يحملون اليوم سمات ابن جلدتهم، فهم مصلوبون مثله، مجروحون، ومعتقلون ومحتقرون مثله. والإيمان المسيحيّ لا يقبل الحياد في مثل هذه الحالات، فالحياد في مثل هذه الظروف انحيازٌ للقويّ ضدّ الأخوة الأصاغر. والإيمان الحقيقيّ لا يقبل الخنوع ولا الاستسلام، بل لا يقنع إلَّا بالحرِّيَّة والعدالة والمحبَّة، والطريق إليها إنَّما يمرّ عبر المقاومة والنضال بأشكاله المتعدِّدة. هنا أيضًا يُقدِّم الكاتب إضاءةً لاهوتيَّة للاهوت التجسُّد الذي يأبى أن يروحن الإيمان رَوْحَنَةً رخيصةً تنقله إلى الميتافيزيقيا، بل ينادي الكاتب بإيمان واعٍ وفاعل، هو إيمان واعٍ لإدراكه أنَّ الشرّ في هذا العالم لم يكن يومًا وليد الصدفة أو القدر، بل إنَّما هو نتاج منظومةٍ اجتماعيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة ممنهجة وَجَبَ تفكيكها. ومن هذا المنطلق، يدعو الكاتب لمواجهة نظام الفصل العنصريّ الإسرائيليّ كمسؤوليَّة إيمانيَّة.
وهنا أيضًا تظهر فرادة هذا الكتاب الذي استبق تقارير منظَّمات حقوق الإنسان، كمنظَّمة بيتسلم الإسرائيليَّة، وهيومن رايتس واتش والتي أقرَّت في الأشهر الأخيرة أنَّ نظام الفصل العنصريّ قائمٌ في جانبَي الخطّ الأخضر. أمَّا دعوة الكاتب لمقاومة كلِّ أشكال التطبيع فتشكِّل حاجةً ملحَّة في زمن الهرولة العربيَّة للتطبيع مع الكيان الصهيونيّ وكأنَّ شيئًا لم يكن. وليست هذه الدعوة دعوةً نظريَّة، بل هي للكاتب حياةٌ إيمانيَّة، فمن عرف المؤلِّف عرف أنَّه إنسانٌ لا يُنظِّر بل يعيش ما يكتب كناشط في حركة كايروس فلسطين الدوليَّة، وفي حركة المقاطعة الـBDS . كما وتشكِّل أوراق هذا الكتاب ردًّا على محاولات «احتلال الوعي» في الصحافة الغربيَّة والدعاية الصهيونيَّة، والتي نحن اليوم في أمسِّ الحاجة لإماطة اللثام عنها ومواجهتها.
ولا يسعني في الختام إلَّا أنْ أُبارك للصديق العزيز على هذه الإضافة النوعيَّة للمكتبة العربيَّة وللمكتبة المسيحيَّة، وكلِّي أمل أنْ يُبصر الفلسطينيُّون الحرِّيَّة ويحظوا بالاستقلال، وأن تطأ قدما الكاتب ثرى فلسطين، فنحتفل معًا بقيامة مجيدة في مدينة القيامة وبانتصار الحياة على الموت والعدل على الظلم.
القسّ الدكتور متري الراهب
بيت لحم، فلسطين حزيران ٢٠٢١