مقّدمة الكاتب
خريستو المرّ
إنّ تعامل المسيحيّين مع إيمانهم والتوفيق بينه وبين العالم الذي يعيشون فيه لم يكن أمرا مفروغا من أمره يومًا؛ فمنذ البدايات قارب المسيحيّون علوم عصرهم والفلسفة بطرق مختلفة، تأرجحت بين ثلاث مواقف: (1) رفض العالم وطرقه واعتبار المسيحيّة نظاما كاملاً يلفظ العالم وما فيه، (2) أو تحوير الرسالة الإنجيليّة لتناسب المقبول اجتماعيًّا، (3) أو القبول بهذا العالم واحتضانه والتمييز بين أهداف الإيمان وبين أهداف العلوم والفلسفة. إنّنا نعتقد أنّ هذا الموقف الأخير متوافق مع ديانة التجسّد ويسمح بالقيام بحوار بين معطيات الفكر البشريّ من علوم وفلسفات وبين الرسالة الانجيليّة من أجل قراءة كلمات الله المنثورة في العالم، وخدمة الإنسان والخليقة. سنحاول في ما يلي إيضاح بعض المواقف التي تشكّل أمثلة على خطوط ذهنيّة ونفسيّة مختلفة، ونشير إلى الخطّ المتوازن الذي بقي منسجما مع الخطّ الانجيليّ دون لفظ للعالم ودون تفريط بالرسالة. وسنُبقي النقاش مختصرًا ونتجنّب الإطالة إلاّ في الحالات الدقيقة.