وعود الإعلام لـ"خريستو المرّ": لنصالح الإعلام مع الحرّية
جريدة النهار 29 06 200
يعود بنا خريستو المر في كتابه "وعود الإعلام وأوهام الحرية، المسيح والتحرير" (تعاونية النور الارثوذكسية للنشر والتوزيع، 2009) الى الزمن الحلو، زمن الالتزام المسيحي الحقيقي بشؤون الارض والناس. ذلك الزمن الغابر الذي كانت فيه الاحلام ليست أوهاما، بل حث على الجهاد الدائم في سبيل تحقيق هذه الاحلام التي آمن من سعى الى جعلها واقعا أنها ليست مستحيلة التحقيق.
ذلك الزمن الجميل، زمن النضال الحقيقي في سبيل تحرير اللاهوت من الروحانيات البحتة ونقله الى حيز الواقع والفعل في حياة الناس والأوطان.
يتناول خريستو المر في كتابه بالبحث والتحليل العديد من الاشكاليات الناشئة عن مدى انسجام وسائل الاعلام المعاصر مع البند التاسع عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يقر أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير". هو، اذا، بحث في أخلاقيات الاعلام المعاصر انطلاقا مما كوّنه الكاتب من بنى فكرية أخلاقية عمادها الفكر المسيحي القديم والحديث. لذلك يمكننا أن نعتبر هذا الكتاب دراسة في الاخلاق المسيحية عبر نموذج تعامل وسائل الاعلام مع حرية التعبير.
طبعا لا يكتفي الكاتب بالتنظير اللاهوتي أو الفكري المحض، بل يغوص في تفاصيل عمل وسائل الاعلام موفِّرا لقارئه الكثير من الامثلة، والاستشهادات المستلّة من كبار المفكرين والمختصين بمراقبة وسائل الاعلام، والمشهود لهم بمقارعة الهيمنة التمويلية للشركات الكبرى، والسيادة المتسلطة لأصحاب الحكم والقرار. هو عمل يريد أن يكون توثيقيا ايضا، اذ أنه يضم المئات من الاحالات النافعة لمن يريد ان يستزيد عمقا في متابعة هذا الموضوع الى اقصى مدى ممكن.
يحاجج خريستو المرّ في كتابه من يزعمون اطلاقية حرية التعبير في وسائل الاعلام، فيفنّد أقوالهم، ويظهر ان وسائل الاعلام محكومة، هنا وثمة، بغضّ نظرها عن تجاوزات عديدة في سبيل مصلحتها واستمراريتها. ويتناول المر بالتفصيل المعوقات التي تحول دون أن تكون وسائل الاعلام مخلصة في تنفيذها لمتطلبات حرية التعبير لديها، ويأتي في رأس هذه المعوقات سلطة الماسكين بالاعلان وذوي النفوذ في الدولة او في وسائل الاعلام عينها. ثم يتناول علاقة وسائل الاعلام بالمستخدم، فيحذر الكاتب من الدور الذي تؤديه بعض وسائل الاعلام في "تدجين" المواطن المتلقي و"إخضاعه" لقبول رأيها الذي يكمن فيه أحيانا إنكار للمعلومة الحقيقية (وتلويث للمعلومات بحسب قوله) او اخفاء لهذه الحقيقة او تمويه لها، وكل ذلك في سبيل تحويل الانتباه عن الحقيقة الى ما يخالفها. وهنا يعطي خريستو المر مثلين عن الحالة اللبنانية في تمويه الحقائق وبمساهمة الوسائل الاعلامية، هما الطائفية والدَّيْن العام؟.
ثم يعرض الكاتب لإشكالية حرية التعبير بازاء "الخبز"، ويعني بالخبز الفقر بكل أشكاله. فماذا تعني حرية التعبير بالنسبة الى الفقراء والجائعين الذين هم في حاجة ماسة الى تأمين قوتهم وقوت عيالهم؟ ويشير هنا الى مسؤولية البلدان الصناعية عن استفحال الفقر، وكيف تساهم وسائل الاعلام في نصرة الاثرياء واهمال قضايا البلدان دون مستوى حد الفقر. وبطبيعية الحال يصل الى الخلاصة المنطقية بأن لا حرية بدون خبز في الانظمة الديموقراطية، ولا خبز بدون حرية في الانظمة الديكتاتورية، وهذان وجهان لعملة واحدة.
يستلهم خريستو المر في كتابه، هو الذي لم يدرس اللاهوت في المعاهد اللاهوتية، آباءه وآباء الكثيرين من أترابه، هؤلاء المفكرين الكبار في الارثوذكسية، ككوستي بندلي معلمه في حركة الشبيبة الارثوذكسية، والمطران جورج خضر، والفيلسوف نقولا برديايف والكاتب الملحمي فيودور دوستويفسكي، بالاضافة الى غيرهم ممن رأوا في الانسان محورا للكون الزائل ومسكّنا مجيدا لله في الآن عينه. فبناء على ما رسمه هؤلاء جميعا يدعو الكاتب في تضاعيف كتابه الى مقاومة هذا التضليل الذي يزين للناس ما هو باطل، عبر تعاون الكنيسة والمجتمع المدني من أجل الخبز والحرية معا. مع أمثال خريستو المر سنستفيق يوما وأحلامنا واقع بهي.الأب جورج مسوح
ذلك الزمن الجميل، زمن النضال الحقيقي في سبيل تحرير اللاهوت من الروحانيات البحتة ونقله الى حيز الواقع والفعل في حياة الناس والأوطان.
يتناول خريستو المر في كتابه بالبحث والتحليل العديد من الاشكاليات الناشئة عن مدى انسجام وسائل الاعلام المعاصر مع البند التاسع عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يقر أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير". هو، اذا، بحث في أخلاقيات الاعلام المعاصر انطلاقا مما كوّنه الكاتب من بنى فكرية أخلاقية عمادها الفكر المسيحي القديم والحديث. لذلك يمكننا أن نعتبر هذا الكتاب دراسة في الاخلاق المسيحية عبر نموذج تعامل وسائل الاعلام مع حرية التعبير.
طبعا لا يكتفي الكاتب بالتنظير اللاهوتي أو الفكري المحض، بل يغوص في تفاصيل عمل وسائل الاعلام موفِّرا لقارئه الكثير من الامثلة، والاستشهادات المستلّة من كبار المفكرين والمختصين بمراقبة وسائل الاعلام، والمشهود لهم بمقارعة الهيمنة التمويلية للشركات الكبرى، والسيادة المتسلطة لأصحاب الحكم والقرار. هو عمل يريد أن يكون توثيقيا ايضا، اذ أنه يضم المئات من الاحالات النافعة لمن يريد ان يستزيد عمقا في متابعة هذا الموضوع الى اقصى مدى ممكن.
يحاجج خريستو المرّ في كتابه من يزعمون اطلاقية حرية التعبير في وسائل الاعلام، فيفنّد أقوالهم، ويظهر ان وسائل الاعلام محكومة، هنا وثمة، بغضّ نظرها عن تجاوزات عديدة في سبيل مصلحتها واستمراريتها. ويتناول المر بالتفصيل المعوقات التي تحول دون أن تكون وسائل الاعلام مخلصة في تنفيذها لمتطلبات حرية التعبير لديها، ويأتي في رأس هذه المعوقات سلطة الماسكين بالاعلان وذوي النفوذ في الدولة او في وسائل الاعلام عينها. ثم يتناول علاقة وسائل الاعلام بالمستخدم، فيحذر الكاتب من الدور الذي تؤديه بعض وسائل الاعلام في "تدجين" المواطن المتلقي و"إخضاعه" لقبول رأيها الذي يكمن فيه أحيانا إنكار للمعلومة الحقيقية (وتلويث للمعلومات بحسب قوله) او اخفاء لهذه الحقيقة او تمويه لها، وكل ذلك في سبيل تحويل الانتباه عن الحقيقة الى ما يخالفها. وهنا يعطي خريستو المر مثلين عن الحالة اللبنانية في تمويه الحقائق وبمساهمة الوسائل الاعلامية، هما الطائفية والدَّيْن العام؟.
ثم يعرض الكاتب لإشكالية حرية التعبير بازاء "الخبز"، ويعني بالخبز الفقر بكل أشكاله. فماذا تعني حرية التعبير بالنسبة الى الفقراء والجائعين الذين هم في حاجة ماسة الى تأمين قوتهم وقوت عيالهم؟ ويشير هنا الى مسؤولية البلدان الصناعية عن استفحال الفقر، وكيف تساهم وسائل الاعلام في نصرة الاثرياء واهمال قضايا البلدان دون مستوى حد الفقر. وبطبيعية الحال يصل الى الخلاصة المنطقية بأن لا حرية بدون خبز في الانظمة الديموقراطية، ولا خبز بدون حرية في الانظمة الديكتاتورية، وهذان وجهان لعملة واحدة.
يستلهم خريستو المر في كتابه، هو الذي لم يدرس اللاهوت في المعاهد اللاهوتية، آباءه وآباء الكثيرين من أترابه، هؤلاء المفكرين الكبار في الارثوذكسية، ككوستي بندلي معلمه في حركة الشبيبة الارثوذكسية، والمطران جورج خضر، والفيلسوف نقولا برديايف والكاتب الملحمي فيودور دوستويفسكي، بالاضافة الى غيرهم ممن رأوا في الانسان محورا للكون الزائل ومسكّنا مجيدا لله في الآن عينه. فبناء على ما رسمه هؤلاء جميعا يدعو الكاتب في تضاعيف كتابه الى مقاومة هذا التضليل الذي يزين للناس ما هو باطل، عبر تعاون الكنيسة والمجتمع المدني من أجل الخبز والحرية معا. مع أمثال خريستو المر سنستفيق يوما وأحلامنا واقع بهي.الأب جورج مسوح