خريستو المرّ
يصعب على إنسان أن يكلّم آخر دون أن يشاهده إلاّ إذا كان يحبّه. اليوم أيضاً كان عليّ أن أتعلّم مجدّداً -ككلّ يوم- سرّ الغوص في بئر القلب لأنّ هناك كلّما رأيتكم رأيت إلهي، وكلّما وجدت إلهي وجدت نفسي، وكلّما وجدت نفسي وجدت إلهي.
حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة ربّتني على ألاّ أقبل بأقلّ من الألوهة، ألّا أقبل أنصاف الطرقات، وأن أتقيّأ نفسي إن فترتُ، ألاّ يكون أفقي –رغم خطاياي- أقلّ من ملء قامة المسيح.
لكن كان عليّ أن أبدأ من مكان، مكاني كان صوت ذلك الإنسان المجنون الذي عرّفتني عليه الحركة في الإنجيل، يسوع. جنونه الكلّي كان تحدّياً للعالم. في صغري كان مجتمعي يقول أنّ بناء مبنى مفيد أكثر للبشريّة من إنقاذ حياة إنسان، كان هذا يثير فيّ الغثيان والغضب. وجدتُ في يسوع تعاطفاً مع عمق أعماق القلب. كان عليّ أن أبدأ من مكان، مكاني كان كلمته، منها انطلقتُ، تدرّبتُ على يديه في الكنيسة على الإصغاء لضوء الوجوه الخافت. ولهذا كان عليّ أوّلاً ودائماً أن أتعلّم سرّ العينين، سرّ كلامهما الضئيل الذي تخفيه كلماتنا، تخفيه لأنّنا نخاف، نخاف أن نموت رجماً بكلام وأحكام الآخرين، ونخاف أن نتوجّع من التغيير الضروريّ لحياتنا. المسيح رفض الرجم، وحذّرنا من الباب الواسع، وأبلغنا منذ زمن بعيد ألاّ نصير عواميد ملح، وأن نصغي للغربة في ضوء العينين. تعلّمت قراءة ضوء العينين وكان عليّ أن أقبل الغربة عن القبيلة.
اليوم، جلّ وقتي أقضيه بتعلّم لغة الضوء. وكان عليّ في السنين الأخيرة أن أغوص في سرّ قلبي الآخر، ذاك الذي لا أتكلّمه ولا أُقَلِّبه لأنّني أخاف مثلكم أن أرى مَن أنا. هناك كان لقاء آخر، لقاء مع الروح، ليس الروح كما نشرحه، لكن الروح كما نحياه. الروح وحده يجعل كلّ منّا -نحن المكوّنين من عناصر الطبيعة- قادراً أن يطلّ إلى نفسه وإلى العالم بما يفوق هذا العالم، الروح يحرّك رغبتنا بالامتداد إلى اللانهاية، بأن نكون أكثر ممّا نحن، بألاّ نرضى بحائط الوجود الأخير، الموت. كلّ العلوم وبعض الفلسفة ترينا الوجود، وما يعتمل في النفس، ولكن لا تشرح لنا سرّ الحرّية، سرّ عدم رضانا بفيزياء وكيمياء جسمنا والكون. في بئر قلبي الآخر، ذاك الذي لا أتكلّمه، رأيت ملامح بئر البئر، ملامحٌ "ترفّ فوق المياه".
في عليّةٍ في الميناء، كنت قرأت قصائد المسيح عاشقنا، وكنّا مجموعة أصدقاء، تعلّمنا العشق على يديه، تلك القراءة للحبّ في الإنجيل يقّظت ختم الروح فينا، يقّظت فينا ما يحاول كلّ يوم أن يميته المجتمع، والنظم السياسيّة والاقتصاديّة التي نعيش فيها. وفي العشق تعلّمنا أنّ الوجع يجب أن يُرفع، وأنّ المسيح هو ثورة مشاركة. الفهم الذي أهدانا إياه معلّمينا بوجودهم وكلامهم وكتاباتهم، وذاك الذي بلغناه بعقولنا وبالعلوم المختلفة، لم يكن سوى وسيلة حركة في الأرض، وسيلة فعل. الهدف مرسوم في عمقنا، وفهمناه تغييراً للواقع، سيراً نحو المثال، تغييراً للمجتمع حتّى يكون إنسانيّاً أكثر، حتّى يكون إلهيّاً أكثر، حتّى يكون ملكوتيّاً أكثر. صورة الله ومثاله التي في كلّ إنسان كانت بوصلتنا، تأكّد لنا أنّ حياة كلّ إنسان أهمّ من كلّ بناء، وأنّ البناء ليس مهمّاً إلاّ إذا كان لخدمة حياة الإنسان. الإنسان هدف لأنّ الله هدف، دليلنا إلى محبّة الله هي محبّة الإنسان، هذا كان لبّ كلام يوحنّا الأخّاذ. لا يوجد إنسانيّة يمكن أن تُحَبّ يوجد شخص إنسان، الإنسانيّة فكرة مجرّدة، وأحدنا يمكن أن يُعجَب بفكرة لكن لا أحد يمكنه أن يحبّ فكرة. الشخص هو الأساس. الله نفسه هو شخص هذا لبّ حياتي مع المسيح، أنّني يمكنني أن أقيم معه علاقة، ذلك كان كشف الحركة لي. الحركة كانت حاضنة للحبّ، الحبّ الذي لا يُبلغ بكبسة زرّ وإنّما بكلّ كلمة تخرج من فم الله، أي باستقبال الله الذي يحرّك فينا بركة القلب لكي نقوم ونتحرّك في مسير متواصل في "الطريق والحقّ" الذي هو، أي في طريق التوحّد بالآخرين وبالله، رغم الزلاّت وعتمات القلب.
كلّ عام وأنتم بخير
خريستو المرّ
يصعب على إنسان أن يكلّم آخر دون أن يشاهده إلاّ إذا كان يحبّه. اليوم أيضاً كان عليّ أن أتعلّم مجدّداً -ككلّ يوم- سرّ الغوص في بئر القلب لأنّ هناك كلّما رأيتكم رأيت إلهي، وكلّما وجدت إلهي وجدت نفسي، وكلّما وجدت نفسي وجدت إلهي.
حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة ربّتني على ألاّ أقبل بأقلّ من الألوهة، ألّا أقبل أنصاف الطرقات، وأن أتقيّأ نفسي إن فترتُ، ألاّ يكون أفقي –رغم خطاياي- أقلّ من ملء قامة المسيح.
لكن كان عليّ أن أبدأ من مكان، مكاني كان صوت ذلك الإنسان المجنون الذي عرّفتني عليه الحركة في الإنجيل، يسوع. جنونه الكلّي كان تحدّياً للعالم. في صغري كان مجتمعي يقول أنّ بناء مبنى مفيد أكثر للبشريّة من إنقاذ حياة إنسان، كان هذا يثير فيّ الغثيان والغضب. وجدتُ في يسوع تعاطفاً مع عمق أعماق القلب. كان عليّ أن أبدأ من مكان، مكاني كان كلمته، منها انطلقتُ، تدرّبتُ على يديه في الكنيسة على الإصغاء لضوء الوجوه الخافت. ولهذا كان عليّ أوّلاً ودائماً أن أتعلّم سرّ العينين، سرّ كلامهما الضئيل الذي تخفيه كلماتنا، تخفيه لأنّنا نخاف، نخاف أن نموت رجماً بكلام وأحكام الآخرين، ونخاف أن نتوجّع من التغيير الضروريّ لحياتنا. المسيح رفض الرجم، وحذّرنا من الباب الواسع، وأبلغنا منذ زمن بعيد ألاّ نصير عواميد ملح، وأن نصغي للغربة في ضوء العينين. تعلّمت قراءة ضوء العينين وكان عليّ أن أقبل الغربة عن القبيلة.
اليوم، جلّ وقتي أقضيه بتعلّم لغة الضوء. وكان عليّ في السنين الأخيرة أن أغوص في سرّ قلبي الآخر، ذاك الذي لا أتكلّمه ولا أُقَلِّبه لأنّني أخاف مثلكم أن أرى مَن أنا. هناك كان لقاء آخر، لقاء مع الروح، ليس الروح كما نشرحه، لكن الروح كما نحياه. الروح وحده يجعل كلّ منّا -نحن المكوّنين من عناصر الطبيعة- قادراً أن يطلّ إلى نفسه وإلى العالم بما يفوق هذا العالم، الروح يحرّك رغبتنا بالامتداد إلى اللانهاية، بأن نكون أكثر ممّا نحن، بألاّ نرضى بحائط الوجود الأخير، الموت. كلّ العلوم وبعض الفلسفة ترينا الوجود، وما يعتمل في النفس، ولكن لا تشرح لنا سرّ الحرّية، سرّ عدم رضانا بفيزياء وكيمياء جسمنا والكون. في بئر قلبي الآخر، ذاك الذي لا أتكلّمه، رأيت ملامح بئر البئر، ملامحٌ "ترفّ فوق المياه".
في عليّةٍ في الميناء، كنت قرأت قصائد المسيح عاشقنا، وكنّا مجموعة أصدقاء، تعلّمنا العشق على يديه، تلك القراءة للحبّ في الإنجيل يقّظت ختم الروح فينا، يقّظت فينا ما يحاول كلّ يوم أن يميته المجتمع، والنظم السياسيّة والاقتصاديّة التي نعيش فيها. وفي العشق تعلّمنا أنّ الوجع يجب أن يُرفع، وأنّ المسيح هو ثورة مشاركة. الفهم الذي أهدانا إياه معلّمينا بوجودهم وكلامهم وكتاباتهم، وذاك الذي بلغناه بعقولنا وبالعلوم المختلفة، لم يكن سوى وسيلة حركة في الأرض، وسيلة فعل. الهدف مرسوم في عمقنا، وفهمناه تغييراً للواقع، سيراً نحو المثال، تغييراً للمجتمع حتّى يكون إنسانيّاً أكثر، حتّى يكون إلهيّاً أكثر، حتّى يكون ملكوتيّاً أكثر. صورة الله ومثاله التي في كلّ إنسان كانت بوصلتنا، تأكّد لنا أنّ حياة كلّ إنسان أهمّ من كلّ بناء، وأنّ البناء ليس مهمّاً إلاّ إذا كان لخدمة حياة الإنسان. الإنسان هدف لأنّ الله هدف، دليلنا إلى محبّة الله هي محبّة الإنسان، هذا كان لبّ كلام يوحنّا الأخّاذ. لا يوجد إنسانيّة يمكن أن تُحَبّ يوجد شخص إنسان، الإنسانيّة فكرة مجرّدة، وأحدنا يمكن أن يُعجَب بفكرة لكن لا أحد يمكنه أن يحبّ فكرة. الشخص هو الأساس. الله نفسه هو شخص هذا لبّ حياتي مع المسيح، أنّني يمكنني أن أقيم معه علاقة، ذلك كان كشف الحركة لي. الحركة كانت حاضنة للحبّ، الحبّ الذي لا يُبلغ بكبسة زرّ وإنّما بكلّ كلمة تخرج من فم الله، أي باستقبال الله الذي يحرّك فينا بركة القلب لكي نقوم ونتحرّك في مسير متواصل في "الطريق والحقّ" الذي هو، أي في طريق التوحّد بالآخرين وبالله، رغم الزلاّت وعتمات القلب.
كلّ عام وأنتم بخير
خريستو المرّ