تحطيم الأصنام: ١٧ تشرين
السبت 17 تشرين أوّل / أكتوبر، 2020
خريستو المرّ
لم تفلح أوّل جولة من جولات الانتفاضة الشعبيّة التي بدأت في ١٧ تشرين أوّل في تغيير النظام الحالي، ولكنّها حقّقت أمرا غاية في الأهمّية: أوضحت بما لا يرقى إليه الشكّ (عند الذين لم يستعبدوا عقولهم لأشخاص) أنّ جميع المشتركين في حكم هذه البلاد هم مشتركون في حماية هذا النظام الاستغلاليّ-القمعيّ واستمراره. أوضحت ١٧ تشرين، بالارباك الدائم الحاصل بسببها بعدها، أنّ أعداء الشعب الأساس هم هؤلاء، هذا لا يُقدّر بثمَن وهو من إنجازات انتفاضة الناس.
ليس بالتفصيل أن تنهال السباب في العلن على أرباب هذا النظام، هؤلاء جميعا كانوا حتّى ما قبل انتفاضة الناس شبه آلهة لا يمسّهم أحد بكلمة. كانت السباب وسيلة الضعيف لتدمير «الهيبة» الواهية الكاذبة للمستغِلّ، فِعْلُ السباب هذا لم يكن سوى ردّ فعل دفاعيّ عن الذات، وكان ضروريّا لتحطيم أصنامٍ تصرّفاتها تعكسُ أنّها وضعت نفسها مكان الله؛ في مكان ما يشهد هذا السباب للحقّ. أوقعت ١٧ تشرين صنم الزعيم المعبود المفدّى.
النظام اللبنانيّ نظامُ استغلالٍ، وقد فضح الانهيار الاقتصاديّ شيئا من طبيعته هذه بفضل محلّلين اقتصاديّين لامعين، ولكنّ الانتفاضة الشعبيّة أيضا أماطت اللثام عن حقيقة أخرى لهذا النظام ألا وهو أنّه في العمق نظام قمعيّ، وحرس مجلس النوّاب تفوّقوا في هذا الميدان ولكن أيضًا القوى الأمنية والجيش. كم من حادث إطلاق نار مباشر ومقصود على الوجوه والأعين حدث، ولم تحدث محاكمة واحدة. النظام اللبنانيّ أقلّ قمعا من النظام السوريّ ولكنّه أيضا قمعيّـ وعلينا أن نخرج من وهم أنّ النظام اللبنانيّ يحترم الحرّية، هو يحترمها طالما لا تمسّ بالاستغلال. أوقعت ١٧ تشرين صنم وهم الحرّية.
النظام-الجيفة اليوم يحتضر دون أن يتشكّل البديل، ولكن الناس التي انتفضت ذاقت شيئين نادرين ومُهِمّين ستؤسّس عليهما انتفاضتها المقبلة، لقد ذاقت الناس القدرة والوحدة.... وهاتان هما اللتان تثيران قلق كلّ القامعين والاستغلاليّين، فكلّ وسائل الإعلام الملحقة بهم تدأب على إقناع الناس أنّهم مُفَتَّتون وأنّه لا قدرة لهم... أظهرت ١٧ تشرين أنّ اللبنانيّين ليسوا فقط مجموعة طوائف، وأنّ الطائفة الحقيقيّة التي تجمعهم هي طائفة: المستَغَلّين (بفتح الغاء). على هذا الوعي ستتأسّس انتفاضة أخرى وسيقع هذا النظام. انتفاضة ١٧ تشرين خلقت شبكة من العلاقات عابرة للطوائف وللمناطق بين مجموعات مختلفة، وخلقت شبكات أخرى حول العالم بين اللبنانيين غير المقيمين. هذه الشبكات ما تزال قائمة وعملها اليوم يُنضجها للجولات المقبلة. أوقعت ١٧ تشرين صنم الطائفيّة والضعف والتفكّك.
أيضا انتفاضة ١٧ تشرين كشفت اللثام عن نفاق المجموعات الحاكمة، فمنها ما حاول ركوب موجة الانتفاضة (الحريري، جعجع، جنبلاط) ومنها ما وقف منها موقف العداء المبطّن فقال أنّها محقّة في "وجعها" ولكن تحرّكها الأصابع الأجنبيّة (نصرالله، برّي، عون) أمّا الحقيقة الناصعة فكانت في مكان آخر، كانت في تعاونهم الفاعل في لجنة التحقيق حول الخسائر والتي اجتمعوا فيها لحماية المصارف والنظام. حطّمت الانتفاضة صنم "الفريق الشريف"، كشفت الانتفاضة عن أيدي الجميع الملوّثة.
الخاسر الأكبر كان حزب الله فقد اضطرّته الانتفاضة أن يكشف عن عدائه لكلّ تغيير في طبيعة نظام طائفيّ يترك له أن يفعل ما يشاء. موقفه معناه أنّ بقاءه أهمّ من العدالة والحرّية، أي أهمّ من الشعب نفسه، وهو بذلك أوضح أنّه في النهاية شبيه الطبقة الحاكمة. مشكلته أنّه قدّم نفسه للناس على أنّه مقاومة وحامٍ للشعب، لكن كيف يمكن لمن يقول أنّه يريد تحرير الناس من احتلال أجنبيّ أن يكون هو الحامي الأوّل لنظام يمعن في استغلال وقمع هؤلاء الناس الذين يدّعي حمايتهم؟ إنّ كلّ كلام عن تدخّل الولايات المتّحدة وأذيالها في الانتفاضة لا يمكن أن يثير سوى السخرية (خاصّة اليوم!)، فأذيال الولايات المتّحدة كانوا دائما في الحكومات المتعاقبة، أي أنّهم اجتمعوا مع وزراء الحزب المذكور على نفس الطاولة لسنوات. أسقطت ١٧ تشرين صنم وهم آخر.
١٧ تشرين أوضحت المشهد وأسقط اصنام عديدة، وبدأت طريقا طويلاً لا بدّ أن ينتهي بدفن الشعب لهذا النظام الاستغلاليّ-القمعيّ.
لم تفلح أوّل جولة من جولات الانتفاضة الشعبيّة التي بدأت في ١٧ تشرين أوّل في تغيير النظام الحالي، ولكنّها حقّقت أمرا غاية في الأهمّية: أوضحت بما لا يرقى إليه الشكّ (عند الذين لم يستعبدوا عقولهم لأشخاص) أنّ جميع المشتركين في حكم هذه البلاد هم مشتركون في حماية هذا النظام الاستغلاليّ-القمعيّ واستمراره. أوضحت ١٧ تشرين، بالارباك الدائم الحاصل بسببها بعدها، أنّ أعداء الشعب الأساس هم هؤلاء، هذا لا يُقدّر بثمَن وهو من إنجازات انتفاضة الناس.
ليس بالتفصيل أن تنهال السباب في العلن على أرباب هذا النظام، هؤلاء جميعا كانوا حتّى ما قبل انتفاضة الناس شبه آلهة لا يمسّهم أحد بكلمة. كانت السباب وسيلة الضعيف لتدمير «الهيبة» الواهية الكاذبة للمستغِلّ، فِعْلُ السباب هذا لم يكن سوى ردّ فعل دفاعيّ عن الذات، وكان ضروريّا لتحطيم أصنامٍ تصرّفاتها تعكسُ أنّها وضعت نفسها مكان الله؛ في مكان ما يشهد هذا السباب للحقّ. أوقعت ١٧ تشرين صنم الزعيم المعبود المفدّى.
النظام اللبنانيّ نظامُ استغلالٍ، وقد فضح الانهيار الاقتصاديّ شيئا من طبيعته هذه بفضل محلّلين اقتصاديّين لامعين، ولكنّ الانتفاضة الشعبيّة أيضا أماطت اللثام عن حقيقة أخرى لهذا النظام ألا وهو أنّه في العمق نظام قمعيّ، وحرس مجلس النوّاب تفوّقوا في هذا الميدان ولكن أيضًا القوى الأمنية والجيش. كم من حادث إطلاق نار مباشر ومقصود على الوجوه والأعين حدث، ولم تحدث محاكمة واحدة. النظام اللبنانيّ أقلّ قمعا من النظام السوريّ ولكنّه أيضا قمعيّـ وعلينا أن نخرج من وهم أنّ النظام اللبنانيّ يحترم الحرّية، هو يحترمها طالما لا تمسّ بالاستغلال. أوقعت ١٧ تشرين صنم وهم الحرّية.
النظام-الجيفة اليوم يحتضر دون أن يتشكّل البديل، ولكن الناس التي انتفضت ذاقت شيئين نادرين ومُهِمّين ستؤسّس عليهما انتفاضتها المقبلة، لقد ذاقت الناس القدرة والوحدة.... وهاتان هما اللتان تثيران قلق كلّ القامعين والاستغلاليّين، فكلّ وسائل الإعلام الملحقة بهم تدأب على إقناع الناس أنّهم مُفَتَّتون وأنّه لا قدرة لهم... أظهرت ١٧ تشرين أنّ اللبنانيّين ليسوا فقط مجموعة طوائف، وأنّ الطائفة الحقيقيّة التي تجمعهم هي طائفة: المستَغَلّين (بفتح الغاء). على هذا الوعي ستتأسّس انتفاضة أخرى وسيقع هذا النظام. انتفاضة ١٧ تشرين خلقت شبكة من العلاقات عابرة للطوائف وللمناطق بين مجموعات مختلفة، وخلقت شبكات أخرى حول العالم بين اللبنانيين غير المقيمين. هذه الشبكات ما تزال قائمة وعملها اليوم يُنضجها للجولات المقبلة. أوقعت ١٧ تشرين صنم الطائفيّة والضعف والتفكّك.
أيضا انتفاضة ١٧ تشرين كشفت اللثام عن نفاق المجموعات الحاكمة، فمنها ما حاول ركوب موجة الانتفاضة (الحريري، جعجع، جنبلاط) ومنها ما وقف منها موقف العداء المبطّن فقال أنّها محقّة في "وجعها" ولكن تحرّكها الأصابع الأجنبيّة (نصرالله، برّي، عون) أمّا الحقيقة الناصعة فكانت في مكان آخر، كانت في تعاونهم الفاعل في لجنة التحقيق حول الخسائر والتي اجتمعوا فيها لحماية المصارف والنظام. حطّمت الانتفاضة صنم "الفريق الشريف"، كشفت الانتفاضة عن أيدي الجميع الملوّثة.
الخاسر الأكبر كان حزب الله فقد اضطرّته الانتفاضة أن يكشف عن عدائه لكلّ تغيير في طبيعة نظام طائفيّ يترك له أن يفعل ما يشاء. موقفه معناه أنّ بقاءه أهمّ من العدالة والحرّية، أي أهمّ من الشعب نفسه، وهو بذلك أوضح أنّه في النهاية شبيه الطبقة الحاكمة. مشكلته أنّه قدّم نفسه للناس على أنّه مقاومة وحامٍ للشعب، لكن كيف يمكن لمن يقول أنّه يريد تحرير الناس من احتلال أجنبيّ أن يكون هو الحامي الأوّل لنظام يمعن في استغلال وقمع هؤلاء الناس الذين يدّعي حمايتهم؟ إنّ كلّ كلام عن تدخّل الولايات المتّحدة وأذيالها في الانتفاضة لا يمكن أن يثير سوى السخرية (خاصّة اليوم!)، فأذيال الولايات المتّحدة كانوا دائما في الحكومات المتعاقبة، أي أنّهم اجتمعوا مع وزراء الحزب المذكور على نفس الطاولة لسنوات. أسقطت ١٧ تشرين صنم وهم آخر.
١٧ تشرين أوضحت المشهد وأسقط اصنام عديدة، وبدأت طريقا طويلاً لا بدّ أن ينتهي بدفن الشعب لهذا النظام الاستغلاليّ-القمعيّ.