الوسائل ليست أهدافًا: تَفَكُّرٌ في سبيلنا إلى الكرامة والحرّية
الثلاثاء ١٦ شباط / فبراير، ٢٠٢١
خريستو المرّ
العمل الجماعيّ، سياسيّا كان أم وعسكريًّا، ليس هدفا بحدّ ذاته. إيمانيًّا، الحياة الإنسانيّة تهدف أن يحيا الناس في تحابّ ومشاركة؛ فالحياة هنا "استباقٌ للخيرات الآتية" في الملكوت، ومهمّة الناس أن يساهموا معًا كي يكون هذا العالم أقرب ما يكون إلى عالم الله، يجمع أبناءه وبناته جميعا إلى واحد.
لا نستحقّ أقلّ من هكذا رؤية، وفي إطارها يغدو للتمسّك بالحياة وعدم التفريط بها وحمايتها أهمّية كبرى. يَقْبَلُ الإنسان أحيانًا، أن يضحّي بحياته، بشكل حرّ، لكي يدافع عن حياة آخرين، هذا نسمّيه شهادة. سيّدة كانت تجتاز طريقًا وتجرّ في أطفال؛ اقتربت منهما سيّارة مسرعة، لم يكن أمام السيّدة إلاّ حلّ من حلّين: أن تهرب بنفسها أو أن تدفع العربة. دفعت العربة، عاشت الطفلة، ماتت السيّدة شهيدة حبّها. هذا حدث في تورونتو منذ عدد من السنين.
الكنيسة شهداؤها هم الأبرياء الذين قُتِلوا بسبب إيمانهم ولم يَقتلوا. شأن العالم آخر، الذين يدافعون عن بلاد من هجوم خارجيّ يعتبرهم الناس حول العالم شهداء لأنّهم ضحّوا بأنفسهم ليحيا غيرهم، وقد يكونوا قَتلوا آخرين. مقاومة اسرائيل في بلادنا تندرج في إطار هذا العمل الدفاعيّ. وفي ظلّ عدم وجود جيش قادر على مقاومة إسرائيل (وهو الواقع حتّى اليوم)، أسّست في منتصف الثمانينات الأحزاب العلمانيّة خطّ مقاومة مسلّحة ناجحة للاحتلال الاسرائيليّ. لاحقا، بقيت جماعة مسلّحة واحدة تكوينها طائفيّ برمّته، قاومت إسرائيل ببراعة. لكنّ المقاومة لعدوّ خارجيّ ليست هدفا بحدّ ذاتها. المقاومة هي أن تقول أنّك تتمسّك بالحياة وأنّك لن تقبل أن يأسرَ الناس أو يقتلهم أو يظلمهم أحدٌ بأيّ شكل من الأشكال؛ بكلمة أخرى المقاومة هي مقاومة الظلم. هدف المقاومة أن ينحسر الظلم عن الناس لكي يتمتّعوا بالحرّية والكرامة الإنسانيّتين، أي ليحيوا عيالاً لله، هذا هو الهدف وإلاّ لا معنى لأيّة مقاومة ولأيّ عمل سياسيّ. المقاومة وسيلةٌ والوسائل ليست أهدافًا.
في الرؤية الإيمانيّة رفع الظلم هو الهدف، لهذا تفقد أيّة جهة مصداقيّتها عندما لا تأبه لرفع الظلم الداخليّ عن الشعب بأكمله، لا بل (كونها الفريق المسلّح أكثر من الجيش الوطنيّ) تصبح حامية فعليّة لنظام الظلم الذي يأكل الناس ويسحقهم. لكن في ظلّ النظام الغربيّ الذي يحاول استعبادنا له بألف طريقة وطريقة، وبواسطة إسرائيل أساسًا، من الضروريّ الإبقاء على فكرة المقاومة ونبضها الشعبيّ من أجل مستقبل البلاد، ومن هنا يبدو لنا أنّه يجب اليوم العمل على فكّ الدمج القائم بين فكرة المقاومة وبين أيّ حزب محدّد، فالمقاومة الفُضلى شعبيّةً تكون، وعابرةً للطوائف؛ والمقاومةُ الـمُخلِصَة لأهدافها تهتمّ لرفع الظلم الداخليّ كما الخارجيّ، عن كلّ الناس وليس عن جزء منهم، وإلاّ تحوّلت من وسيلة إلى هدف بحدّ ذاته. الأحزاب الأطراف الأخرى الحاكمة القائمة، عدا عن أنّها لم ترفع إصبعًا ضدّ إسرائيل بل وبعضها عمل مع اسرائيل، تشترك جميعها بالتكافل والتضامن في قيام وحماية نظام الظلم القائم.
الأمل اليوم هو في رؤية خارج النظام الطائفيّ تتمكّن من تقديم حلّ (١) للوضع الاقتصاديّ (٢) وللوضع السياسيّ (٣) ولحماية الشعب من العدوان الخارجيّ المتمثّل أساسا في إسرائيل، ولكن أيضًا في أطماع كلّ نظام خارجيّ (غربًا وشرقًا). لا يوجد على أرض الواقع حزب سياسيّ لديه المنطق والعلم والحجّة و....الخطّة... للقيام بنقل البلاد من واقع اليوم ووضعها على سكّة بناء دولة عادلةٍ، وحامية لبناتها وأبنائها من مطامع الخارج، ومقاوِمَةٍ للعداء الاسرائيليّ على قاعدة وطنيّة جامعة، إلاّ حزب «مواطنون ومواطنات في دولة»، وهو يحتاج إلى تكوين حاضنة شعبيّة واسعة له، وقد يكون تكوينها من خلال جمعيّات ونقابات هو التحدّي الأكبر اليوم، كما كان بالأمس. الأحزاب العلمانيّة التقليديّة غائبة للأسف عن الفِعل.
لا يمكن لمؤيّديّ المقاومة كوجهة صائبة، وللمحتفلين عن حقّ بانتصارات هذه الوجهة وتضحياتها منذ الثمانينات، إلاّ أن يفكّروا من جديد بمخرج وطنيّ لاطائفيّ يحفظ هذه الوجهة، في بلاد دمّرتها طغمة حاكمة تشترك في المكائد ضدّ بعضها البعض، ولكنّها تتّفق على استمرار نظام الظلم القائم، متحجّجة بأنّها غير قادرة على التغيير بسبب «الآخرين»، ومرتبطة جميعها بجهات خارجيّة تموّلها. عدا عن أنّ ذلك يمزّق الدولة كدولة، فإنّ المموّل -شرقًا وغربًا- يتحكّم دائمًا ولا يرى إلاّ أهدافه، وهذه وإن التقت أحيانًا مع الأهداف الوطنيّة، إلاّ أنّها ستتعارض معها بحكم طبيعة الحياة، وعندها سيكون لأهداف المموّل الأولويّة.
لا استمرار للبنان دون نظام وطنيّ لا طائفيّ يبني دولة قادرة عادلة. هل هذا واقعيّ؟ لا يوجد أكثر من هذا واقعيّة عندما نرى الكارثة المتدحرجة أمامنا؛ فالبديل هو المزيد من الفقر والقتل والحروب والموت المجانيّ، لأجيال. أمام هذا الواقع، يصير أقلّ الواجب الأخلاقيّ والوطنيّ والإيمانيّ التفكير ببديل يحمي الناس من الفقر ومن الاحتلال في بيئة من الحرّية والكرامة الإنسانيّة، اللتان لا معنى للحياة الإنسانيّة ولا لوطن من دونهما معًا.
الأهداف يجب أن تبقى بوصلة للإنسان، والوسائل لا يمكنها أن تصير أهدافا.
العمل الجماعيّ، سياسيّا كان أم وعسكريًّا، ليس هدفا بحدّ ذاته. إيمانيًّا، الحياة الإنسانيّة تهدف أن يحيا الناس في تحابّ ومشاركة؛ فالحياة هنا "استباقٌ للخيرات الآتية" في الملكوت، ومهمّة الناس أن يساهموا معًا كي يكون هذا العالم أقرب ما يكون إلى عالم الله، يجمع أبناءه وبناته جميعا إلى واحد.
لا نستحقّ أقلّ من هكذا رؤية، وفي إطارها يغدو للتمسّك بالحياة وعدم التفريط بها وحمايتها أهمّية كبرى. يَقْبَلُ الإنسان أحيانًا، أن يضحّي بحياته، بشكل حرّ، لكي يدافع عن حياة آخرين، هذا نسمّيه شهادة. سيّدة كانت تجتاز طريقًا وتجرّ في أطفال؛ اقتربت منهما سيّارة مسرعة، لم يكن أمام السيّدة إلاّ حلّ من حلّين: أن تهرب بنفسها أو أن تدفع العربة. دفعت العربة، عاشت الطفلة، ماتت السيّدة شهيدة حبّها. هذا حدث في تورونتو منذ عدد من السنين.
الكنيسة شهداؤها هم الأبرياء الذين قُتِلوا بسبب إيمانهم ولم يَقتلوا. شأن العالم آخر، الذين يدافعون عن بلاد من هجوم خارجيّ يعتبرهم الناس حول العالم شهداء لأنّهم ضحّوا بأنفسهم ليحيا غيرهم، وقد يكونوا قَتلوا آخرين. مقاومة اسرائيل في بلادنا تندرج في إطار هذا العمل الدفاعيّ. وفي ظلّ عدم وجود جيش قادر على مقاومة إسرائيل (وهو الواقع حتّى اليوم)، أسّست في منتصف الثمانينات الأحزاب العلمانيّة خطّ مقاومة مسلّحة ناجحة للاحتلال الاسرائيليّ. لاحقا، بقيت جماعة مسلّحة واحدة تكوينها طائفيّ برمّته، قاومت إسرائيل ببراعة. لكنّ المقاومة لعدوّ خارجيّ ليست هدفا بحدّ ذاتها. المقاومة هي أن تقول أنّك تتمسّك بالحياة وأنّك لن تقبل أن يأسرَ الناس أو يقتلهم أو يظلمهم أحدٌ بأيّ شكل من الأشكال؛ بكلمة أخرى المقاومة هي مقاومة الظلم. هدف المقاومة أن ينحسر الظلم عن الناس لكي يتمتّعوا بالحرّية والكرامة الإنسانيّتين، أي ليحيوا عيالاً لله، هذا هو الهدف وإلاّ لا معنى لأيّة مقاومة ولأيّ عمل سياسيّ. المقاومة وسيلةٌ والوسائل ليست أهدافًا.
في الرؤية الإيمانيّة رفع الظلم هو الهدف، لهذا تفقد أيّة جهة مصداقيّتها عندما لا تأبه لرفع الظلم الداخليّ عن الشعب بأكمله، لا بل (كونها الفريق المسلّح أكثر من الجيش الوطنيّ) تصبح حامية فعليّة لنظام الظلم الذي يأكل الناس ويسحقهم. لكن في ظلّ النظام الغربيّ الذي يحاول استعبادنا له بألف طريقة وطريقة، وبواسطة إسرائيل أساسًا، من الضروريّ الإبقاء على فكرة المقاومة ونبضها الشعبيّ من أجل مستقبل البلاد، ومن هنا يبدو لنا أنّه يجب اليوم العمل على فكّ الدمج القائم بين فكرة المقاومة وبين أيّ حزب محدّد، فالمقاومة الفُضلى شعبيّةً تكون، وعابرةً للطوائف؛ والمقاومةُ الـمُخلِصَة لأهدافها تهتمّ لرفع الظلم الداخليّ كما الخارجيّ، عن كلّ الناس وليس عن جزء منهم، وإلاّ تحوّلت من وسيلة إلى هدف بحدّ ذاته. الأحزاب الأطراف الأخرى الحاكمة القائمة، عدا عن أنّها لم ترفع إصبعًا ضدّ إسرائيل بل وبعضها عمل مع اسرائيل، تشترك جميعها بالتكافل والتضامن في قيام وحماية نظام الظلم القائم.
الأمل اليوم هو في رؤية خارج النظام الطائفيّ تتمكّن من تقديم حلّ (١) للوضع الاقتصاديّ (٢) وللوضع السياسيّ (٣) ولحماية الشعب من العدوان الخارجيّ المتمثّل أساسا في إسرائيل، ولكن أيضًا في أطماع كلّ نظام خارجيّ (غربًا وشرقًا). لا يوجد على أرض الواقع حزب سياسيّ لديه المنطق والعلم والحجّة و....الخطّة... للقيام بنقل البلاد من واقع اليوم ووضعها على سكّة بناء دولة عادلةٍ، وحامية لبناتها وأبنائها من مطامع الخارج، ومقاوِمَةٍ للعداء الاسرائيليّ على قاعدة وطنيّة جامعة، إلاّ حزب «مواطنون ومواطنات في دولة»، وهو يحتاج إلى تكوين حاضنة شعبيّة واسعة له، وقد يكون تكوينها من خلال جمعيّات ونقابات هو التحدّي الأكبر اليوم، كما كان بالأمس. الأحزاب العلمانيّة التقليديّة غائبة للأسف عن الفِعل.
لا يمكن لمؤيّديّ المقاومة كوجهة صائبة، وللمحتفلين عن حقّ بانتصارات هذه الوجهة وتضحياتها منذ الثمانينات، إلاّ أن يفكّروا من جديد بمخرج وطنيّ لاطائفيّ يحفظ هذه الوجهة، في بلاد دمّرتها طغمة حاكمة تشترك في المكائد ضدّ بعضها البعض، ولكنّها تتّفق على استمرار نظام الظلم القائم، متحجّجة بأنّها غير قادرة على التغيير بسبب «الآخرين»، ومرتبطة جميعها بجهات خارجيّة تموّلها. عدا عن أنّ ذلك يمزّق الدولة كدولة، فإنّ المموّل -شرقًا وغربًا- يتحكّم دائمًا ولا يرى إلاّ أهدافه، وهذه وإن التقت أحيانًا مع الأهداف الوطنيّة، إلاّ أنّها ستتعارض معها بحكم طبيعة الحياة، وعندها سيكون لأهداف المموّل الأولويّة.
لا استمرار للبنان دون نظام وطنيّ لا طائفيّ يبني دولة قادرة عادلة. هل هذا واقعيّ؟ لا يوجد أكثر من هذا واقعيّة عندما نرى الكارثة المتدحرجة أمامنا؛ فالبديل هو المزيد من الفقر والقتل والحروب والموت المجانيّ، لأجيال. أمام هذا الواقع، يصير أقلّ الواجب الأخلاقيّ والوطنيّ والإيمانيّ التفكير ببديل يحمي الناس من الفقر ومن الاحتلال في بيئة من الحرّية والكرامة الإنسانيّة، اللتان لا معنى للحياة الإنسانيّة ولا لوطن من دونهما معًا.
الأهداف يجب أن تبقى بوصلة للإنسان، والوسائل لا يمكنها أن تصير أهدافا.