قدّمت إحدى المحاميات شكوى في لبنان مطالبة بوقف دعاية «طرقات الزفت» التي تعرض على شاشة «إم تي في» بحجة أنها «تنتهك المقدسات الدينية» ومن المتوقّع أن تتوقف المحطة عن عرض الإعلان بناء على حكم قضائيّ.
الإعلان المقصود ينتقد في الحقيقة وضع الطرقات التي استهترت سلطات البلاد في صيانتها، فيتعرّض لموضوع غياب الإنارة عن الطرقات، والحفر على الأوتوستراد، والضياع أحياناً في الطرقات لغياب العناوين الواضحة والترقيم للبنايات والمنازل، إذ يعرض بائع للسيارات على الشاري عدّة أيقونات وتماثيل موضوعة في السيّارة وينصحه الاستعانة بها عند كلّ مشكلة تصادفه في الطرقات. وقد أوضح المعلنون أنّ «هدف الحملة هو دفع الناس للمشاركة في الحملة عبر المشاركة في صور تظهر وضع الطرقات في أحيائهم... والدفع إلى التغيير عبر الرأي العام».
إنّ التهجّم على هذا الإعلان بالذات بحجّة أنّه يسيء للمشاعر الدينية أو ينتهك أيّ مقدّس ديني، هو من غرائب الأمور، فمن الواضح أنّ الإعلان يتعرّض لغياب الدولة عن القيام بمسؤوليّاتها، أي يتعرّض لتقاعس الحكومات المتعاقبة وليس إلى حكومة محدّدة، ولا يتعرّض مطلقاً لأيّ إيمان أو دين.
بل إنّه من الممكن قراءة الإعلان على مستوى آخر، أعمق ربّما، بوصفه نقداً لغياب العديد من المواطنين عن القيام بمسؤوليّاتهم في محاسبة المسؤولين، ولاستمرارهم بإعادة انتخاب السياسيين الذين تقاعسوا عن القيام بواجباتهم. فبينما من عادة المواطنين أن يضعوا شارات دينيّة في سيّاراتهم، وقد يصلّي بعضهم داعياً لله أو قدّيسيه وأولياءه لحمايته على الطرقات، يتقاعس معظمهم عن القيام بواجبهم تجاه أنفسهم وعائلاتهم ومواطنيهم وبلادهم، بإعادة انتخاب المسؤولين أنفسهم عن هذا الوضع الاقتصادي وعن المديونيّة وعن وضع الطرقات، وعن العدد الضخم من الحوادث القاتلة على الطرقات. من هذا المنظور، يمكن قراءة الإعلان على مستوى آخر، أكثر جذريّة ونقديّة.
إذ عندها نراه نقداً لتصرّف تقويّ دينيّ بعيد عن الإيمان وترجمة هذا الإيمان في الحياة اليوميّة، في تحمّلٍ للمسؤوليّة الشخصيّة (وكلّ إيمان يقتضي ترجمة له على صعيد الواقع وإلّا كان هروباً من الواقع). وعندها يبدو لنا الإعلان كشفاً عن الفصام القائم في تصرّفات هؤلاء المواطنين: تعبّد لله من جهة، واستقالة عمليّة من تحمّل المسؤوليّة من جهة أخرى، وموضوع جديرٌ بالنقد من وجهة نظر إيمانيّة صرف.
من وجهة النظر هذه، يمكننا أن نرى أن الإعلان لا يتعرّض للإيمان لأنّه لا ينتقد الإيمان بل ينتقد الاستعمال السحريّ لله، ذلك أنّه ليس فقط من الغباء، ومن التهوّر، أن لا يتّبع الإنسان قوانين السير لمجرّد أنّه يؤمن بأنّ الله أو القدّيسين والأولياء يحمونه، ومن الغباء والاستهتار بالذات وبالآخرين أن ينتخب الإنسان نفس الطبقة التي تستهتر بحياته وحياة عائلته وأحبابه واصدقائه والمواطنات والمواطنين كافّة؛ وإنّما أيضاً كلّ ذلك يكشف عن تعامل مع الله ولكأنّه أداة يستخدمها الإنسان للوصول إلى تحقيق أهدافه، وللتغطية على تقصيره وعلى خيانته لذاته ولمهمّاته في الحياة العامّة بانتخاب الفاسدين.
الدعاء لله، ليس البديل عن المطالبة بإصلاح الطرقات، ولا هو بديل عن تحمّل المواطن مسؤوليّته في المطالبة بحقوقه الإنسانيّة. من يتصرّف على هذا الشكل الفصاميّ يكون كمن يحاول أن يستعمل الله أداة ليغطّي بها إمّا تهوّره واستهتاره بحياته وبحياة غيره على الطرقات، وإمّا انكفاءه عن تحمّل مسؤوليّة انتخابه الناس الذين يستغلّون المواطنين ويجعلون حياتهم العامّة جحيميّة، وإمّا الأمرين معاً. مَن يتصّرف على هذا المنوال ينحدر بعلاقته بالله إلى علاقة استخدام، إذ يغدو الله بالنسبة له مجرّد أداة لتحقيق أهداف، أو تغطية عدم تحمّله مسؤوليّاته العامّة، عوض أن يكون الله هدفاً بحدّ ذاته لعلاقة حرّة شخصيّة في قلب الجماعة المؤمنة. وهذا التصرّف يشبه تماماً الطائفيّة التي هي في لبّها عمليّة استخدام لله أداةً لتحقيق أهداف شخصيّة وجماعيّة كالمكاسب الماليّة والسلطويّة، أو لتحقيق وَهْم التفوّق على المجموعات الطائفيّة الأخرى. وهذا كلّه وثنيّة متدثّرة بثياب الإيمان بالله، وكم نحوّل الله إلى طوطم للقبيلة في منطقتنا!
ومن هذه الزاوية يمكننا أنّ نرى في هذا الإعلان، انتقاداً للاستخدام الوثنيّ السحريّ للإيمان، ودفاعاً عن إيمان أصيل يحياه الإنسان علاقةً شخصيّة بالله، في جماعة معيّنة، فلا ينحدر به إلى استخدام لله لتنفيذ مآرب شخصيّة أو جماعيّة، أو لستر تقصير شخصيّ وجماعيّ، أو للتعالي، أو للاستغلال، بل يختبر بواسطته الله كشخص يمكن الدخول معه بعلاقة محبّة، أي يختبر الله كهدف بحدّ ذاته، في علاقة تستدعي حكماً الالتزام بالحياة على هذه الأرض، والتزام شؤون الإنسان بالدفاع عن قضاياه في الحياة العامّة.
نتمنّى أن يستمرّ هذا الإعلان الفكاهيّ المبدع وأن يصار إلى ابداع غيره، حتّى ولو استمرّ أسابيع فقط، ولتنخدش طائفيّةُ السحريّين الوثنيّة، ورُبَّ فكاهةٍ تُنقّي الإيمان... أمّا بالنسبة للطرقات فـ«بربّكم صلحوا الطرقات» وبربّكم أحجموا عن انتخاب من أودى بنا إلى هذه الأوضاع، وانتخبوا من سيعمل على إصلاح الطرقات والبلاد.
خريستو المر
الإعلان المقصود ينتقد في الحقيقة وضع الطرقات التي استهترت سلطات البلاد في صيانتها، فيتعرّض لموضوع غياب الإنارة عن الطرقات، والحفر على الأوتوستراد، والضياع أحياناً في الطرقات لغياب العناوين الواضحة والترقيم للبنايات والمنازل، إذ يعرض بائع للسيارات على الشاري عدّة أيقونات وتماثيل موضوعة في السيّارة وينصحه الاستعانة بها عند كلّ مشكلة تصادفه في الطرقات. وقد أوضح المعلنون أنّ «هدف الحملة هو دفع الناس للمشاركة في الحملة عبر المشاركة في صور تظهر وضع الطرقات في أحيائهم... والدفع إلى التغيير عبر الرأي العام».
إنّ التهجّم على هذا الإعلان بالذات بحجّة أنّه يسيء للمشاعر الدينية أو ينتهك أيّ مقدّس ديني، هو من غرائب الأمور، فمن الواضح أنّ الإعلان يتعرّض لغياب الدولة عن القيام بمسؤوليّاتها، أي يتعرّض لتقاعس الحكومات المتعاقبة وليس إلى حكومة محدّدة، ولا يتعرّض مطلقاً لأيّ إيمان أو دين.
بل إنّه من الممكن قراءة الإعلان على مستوى آخر، أعمق ربّما، بوصفه نقداً لغياب العديد من المواطنين عن القيام بمسؤوليّاتهم في محاسبة المسؤولين، ولاستمرارهم بإعادة انتخاب السياسيين الذين تقاعسوا عن القيام بواجباتهم. فبينما من عادة المواطنين أن يضعوا شارات دينيّة في سيّاراتهم، وقد يصلّي بعضهم داعياً لله أو قدّيسيه وأولياءه لحمايته على الطرقات، يتقاعس معظمهم عن القيام بواجبهم تجاه أنفسهم وعائلاتهم ومواطنيهم وبلادهم، بإعادة انتخاب المسؤولين أنفسهم عن هذا الوضع الاقتصادي وعن المديونيّة وعن وضع الطرقات، وعن العدد الضخم من الحوادث القاتلة على الطرقات. من هذا المنظور، يمكن قراءة الإعلان على مستوى آخر، أكثر جذريّة ونقديّة.
إذ عندها نراه نقداً لتصرّف تقويّ دينيّ بعيد عن الإيمان وترجمة هذا الإيمان في الحياة اليوميّة، في تحمّلٍ للمسؤوليّة الشخصيّة (وكلّ إيمان يقتضي ترجمة له على صعيد الواقع وإلّا كان هروباً من الواقع). وعندها يبدو لنا الإعلان كشفاً عن الفصام القائم في تصرّفات هؤلاء المواطنين: تعبّد لله من جهة، واستقالة عمليّة من تحمّل المسؤوليّة من جهة أخرى، وموضوع جديرٌ بالنقد من وجهة نظر إيمانيّة صرف.
من وجهة النظر هذه، يمكننا أن نرى أن الإعلان لا يتعرّض للإيمان لأنّه لا ينتقد الإيمان بل ينتقد الاستعمال السحريّ لله، ذلك أنّه ليس فقط من الغباء، ومن التهوّر، أن لا يتّبع الإنسان قوانين السير لمجرّد أنّه يؤمن بأنّ الله أو القدّيسين والأولياء يحمونه، ومن الغباء والاستهتار بالذات وبالآخرين أن ينتخب الإنسان نفس الطبقة التي تستهتر بحياته وحياة عائلته وأحبابه واصدقائه والمواطنات والمواطنين كافّة؛ وإنّما أيضاً كلّ ذلك يكشف عن تعامل مع الله ولكأنّه أداة يستخدمها الإنسان للوصول إلى تحقيق أهدافه، وللتغطية على تقصيره وعلى خيانته لذاته ولمهمّاته في الحياة العامّة بانتخاب الفاسدين.
الدعاء لله، ليس البديل عن المطالبة بإصلاح الطرقات، ولا هو بديل عن تحمّل المواطن مسؤوليّته في المطالبة بحقوقه الإنسانيّة. من يتصرّف على هذا الشكل الفصاميّ يكون كمن يحاول أن يستعمل الله أداة ليغطّي بها إمّا تهوّره واستهتاره بحياته وبحياة غيره على الطرقات، وإمّا انكفاءه عن تحمّل مسؤوليّة انتخابه الناس الذين يستغلّون المواطنين ويجعلون حياتهم العامّة جحيميّة، وإمّا الأمرين معاً. مَن يتصّرف على هذا المنوال ينحدر بعلاقته بالله إلى علاقة استخدام، إذ يغدو الله بالنسبة له مجرّد أداة لتحقيق أهداف، أو تغطية عدم تحمّله مسؤوليّاته العامّة، عوض أن يكون الله هدفاً بحدّ ذاته لعلاقة حرّة شخصيّة في قلب الجماعة المؤمنة. وهذا التصرّف يشبه تماماً الطائفيّة التي هي في لبّها عمليّة استخدام لله أداةً لتحقيق أهداف شخصيّة وجماعيّة كالمكاسب الماليّة والسلطويّة، أو لتحقيق وَهْم التفوّق على المجموعات الطائفيّة الأخرى. وهذا كلّه وثنيّة متدثّرة بثياب الإيمان بالله، وكم نحوّل الله إلى طوطم للقبيلة في منطقتنا!
ومن هذه الزاوية يمكننا أنّ نرى في هذا الإعلان، انتقاداً للاستخدام الوثنيّ السحريّ للإيمان، ودفاعاً عن إيمان أصيل يحياه الإنسان علاقةً شخصيّة بالله، في جماعة معيّنة، فلا ينحدر به إلى استخدام لله لتنفيذ مآرب شخصيّة أو جماعيّة، أو لستر تقصير شخصيّ وجماعيّ، أو للتعالي، أو للاستغلال، بل يختبر بواسطته الله كشخص يمكن الدخول معه بعلاقة محبّة، أي يختبر الله كهدف بحدّ ذاته، في علاقة تستدعي حكماً الالتزام بالحياة على هذه الأرض، والتزام شؤون الإنسان بالدفاع عن قضاياه في الحياة العامّة.
نتمنّى أن يستمرّ هذا الإعلان الفكاهيّ المبدع وأن يصار إلى ابداع غيره، حتّى ولو استمرّ أسابيع فقط، ولتنخدش طائفيّةُ السحريّين الوثنيّة، ورُبَّ فكاهةٍ تُنقّي الإيمان... أمّا بالنسبة للطرقات فـ«بربّكم صلحوا الطرقات» وبربّكم أحجموا عن انتخاب من أودى بنا إلى هذه الأوضاع، وانتخبوا من سيعمل على إصلاح الطرقات والبلاد.
خريستو المر