خريستو المرّ
من عز النوم بتسرقني بهرب لبعيد بتسبقنيأتعب من السهر على نفسي، تغرّني الأشياء والأشخاص كي أنام فيها.
أنام. أهرب في النوم من الصحوِ الجارحِ الضوءِ.
أهرب إلى وهم الصلوات للأصنام. أطلب من عيونها المغلقة رؤيةً، ومن فمها الخالي من الهواء كلمةً، ومن أذنيها الغائصتين في قعر الخرافة إصغاءً.
أهرب إلى بعيدِ الوهمِ كي يعطيني شيئاً من حلم خلودٍ، ووهم اقتدار كلّي.
أهرب إلى بعيد وهمٍ غائصٍ في لحم نفسي، يناديني كي أكون إلهاً بذاتي، بالكون المغلق على الكون، بالإنسان المغلق على الإنسان.
أهرب إلى بعيد كلّ ضياعٍ، ساكنٍ في كلّ خليّة فيّ، ومُطِلٍّ إليّ في كلّ ثانية من ظلال دمي ولحمي ونفسي.
أهرب إلى الغرق في العمل والإنجاز، في العائلة، في الجماعات. أهرب إلى المال، إلى السلطة، إلى المُلْك، إلى تضخيم الأنا بكلّ ما يخبّئ هزالتها.
أهرب إلى الجحيم. أغرق في الجحيم، لأجد... لأجدك هناك سبقتني.
أهرب إلى النوم، إلى النوم البعيد، إلى النوم القريب، فتسبقني إلى نومي الجحيميّ؛ لتسرقني "من عزّ النوم"، لتقول لي "قم أيّها النائم".
يا حبي صرت بآخر أرض عم أمشي و تمشي فيّي الأرض لوينك بعدك لاحقني؟يا حبّي الذي تركته. ها أنا أبتعد. ها أنا أمشي على حافّة الهاوية، الهاوية الفاغرة فاهها في آخر أرض فيّ.
ها أنا أمشي، ها أنا لا أمشي، ها أنا أتوهّم أنّي أمشي.
وأنا، يا أنتَ، لم أسلك سبيل الوهم إلاّ لأنّي أستَقَلْتُ من قدرتي على المشي، وتركت لجّة ضوضاء العيش تحملني إلى كلّ عويلٍ جائعٍ يُشرْقِطُ ما يشبه جحيماً لذيذاً تحت فمي.
يحملني موج، يدغدغ حلمي بالحياة، فأتوهّم الحياة وأنا معزول في وسط الجموع.
وفي وسط الموج، في وسط نار الموج، في وسط العويل الجائع المشرقِطِ، حيث أُلاحق الوهم دائخاً، يلاحقني... وجهكَ.
صرتُ في آخر أرضٍ، أمشي تائهاً في الطين، أم هو الطين يمشي بي وأنا لم أزل في قاع مكاني؟ لا أعرف. أعرف أنّك ما زلت تلاحقني أينما ذهبت.
إلى أين؟ إلى أين تلاحقني؟ إلى أين يا أنتَ؟ ألا تتعب، يا حبّي، يا حبّي الذي تركتُه؟
كنا تودعنا و صوتك غاب و نادني العمر الفانيكنّا قد ودّع أحدنا الآخر. آه لا... فلأواجه جُبني: كنتُ قد ودّعتُك أنا وتركتُك، فغاب صوتك. آه لا فلأواجه هروبي، بل غبتُ أنا عن صوتك؛ غبتُ في إغراء الوحل الطريّ للأرجل. غبتُ في عبق الموت المتعرّش على النوافذ المغلقةِ، في نداء العمر لتجربة الوهم، لتجربة الفناء في الطُرُقِ الحلزونيّة.
ولمّا عا حالي سكرت الباب لاقيتك بيني و بين حالي"ولمّا عا حالي سكرت الباب"، عندما أغلقتُ على نفسي، عندما اعتقدت أنّني أغلقت آخر باب في قلبي أمام آخر خيط ضوء؛ هناك، في الجحيم، هناك بيني وبين نفسي، هناك وجدتُك "بيني وبين حالي"، هناك كنتَ تنتظرني نوراً أميناً.
هناك، في جحيم عينيّ المفتوحتين على ملح النوافذ المهجورة، وجدتك.
هناك، في الجحيم السرّيّ القابع بيني وبيني، وجدتك.
وجدتك قائماً سانداً قلبي الهزيل الدفء.
وجدتك مجروحاً بحنانك المرتعش منذ إنشاء العالم.
وجدتك تَمُدُّ ذاتك إليّ جسراً مفتوحاً، دعوةً راسيةً على شطآن الرحيل نحو الهواء الطلق.
هناك، حيث أغلقتُ نفسي، وطردتُ كلَّهم؛ فاجأتَني في جحيمِ بيني وبيني، تكتب على أبواب الموت سرّاً غريباً، تكتبُ حبَّك الحيّ.
مشلوحى على بحر النسيان فارقني النوم و كل شي كانكنتُ مشلوحاً في بحر النسيان... نسياني لنفسي، مشلوحاً في بحر ضياعي... ضياعي عن رغبتي فيك، وقد فارقني النوم من كثرة جوعي لمتعة العيد في وجهك.
كنتُ مرميّاً على الأرق، الأرق الساهر في كلّ ضحكة أصنعُها بلون السراب، أنا المرميّ على وجع الفراق، فراقي لك، وفراقي... لي.
وجك ما كان يفارقني و جرب أسبح و يغرقنيوفي مرميّتي " وجك ما كان يفارقني". حاولت أن أسبح بعيداً عنك، غائصاً في موت العزلة، فكان انتباهي لوجهك الرفيق نسمة هوائي، وأنا في رفضي لكَ رأيتُ جاذبيّة وجهك غرقاً فيك.
نعم أنا خفتُك. خفتُ أن أعترف أنّني تائهٌ في بحر يشبه البحر ولا يشبهه، في وحل يشبه الوحل ولا يشبهه، في وجع يشبه الوجع ولا يشبهه، في عزلة تشبه... تشبه اللقاء ولا تشبهه.
فسبحتُ بعيداً عن هواء وجهك، وغرقتُ أعمق في عزلتي، علّني لا أتنفّس وأموت، فلا أعترف ولا أعود ولا أتغيّر. غرقتُ خوفاً وألماً من ضياع وجهتي، ورفضتُ وجهك بوصلة لي ونَفَساً، يا نَفَسي. ورفضتُ وجهي، فوجهي بوصلتي أيضاً - فأنت فيه – ولكنّي أصررتُ على الوهم.
رقص و ضحك و سهرية عيد وكل صحابي حوالييحاولتُ أن أخدّر نفسي، هرباً من جوعي إلى وجهك، بشكل الرقص وبشكل الضحك وبشكل السهر وبشكل الصحبة، خدّرتُ نفسي بالارتماء في... اللاوجه، ارتميتُ في كتلة الناس.
وعم فتش أنا على حب جديد، والناس عيونا علييحاولتُ أن أفتّش عن أيّ "حبّ" جديد، عن أيّ سراب يشبه الحبّ، عن أيّ وجع يشبه الحبّ، كي أتجنّب تعب... خوف... تعب وخوف حبّ وجهك.
خفتُ أن يرى الناس أنّني بلا بوصلة، فخبّأتُ وجعي. خفتُ فارتميتُ في قطيع المعزولين كي أنسى؛ والتهم كلٌّ منّا في القطيع جحيمَ نفسِه جوعاً أبديّاً. وظننتُ أنّي أخيراً نسيتك.
بتطل بيوقع مني الكاس، وحدي اللي بشوفك من هالناسولكنّك، يا سرّ الحبّ، فجأةً تطلّ عليّ في جحيمي. تطلّ عليّ من داخل... نفسي. تصعقني، فيقع منّي كأس الوهم، يقع سُكري الموجوع. وحدي أراك، قائماً في عمقي المتوقّف عن الهروب. أراك، وأترك عينيّ تتأملان يديك وجنبك من جديد، تتأمّلان وجهك المكلّل بالحياة، تتأمّلانه تحت الضوء المتفجّر رقّةً من داخل ما يشبه آثار مسامير وطعنة.
من بين الكل بتسرقني و بتلج الماضي بتحرقنيوإذ أراك، وترتاح عينيّ على عينيك، على عينيك العميقتين، يا أنتَ؛ تسرقني من كلّ الأوهام ومن الموج ومن القطيع ومن الاختناق ومن الجدران ومن الشرقطات ومن التعب ومن... الخوف.
وتشعل نارَك أمام جليد خطيئتي، أمام ثلج ماضيّ الحارق، فأتوهّم وأنت توقظني من جليدي بضوء حنانك أنّك "بتلج الماضي بتحرقني".
يتحرّك قلبي من تحت الجليد موجوعاً وفرحاً لعودة الاحساس إليه. أخيراً أحسّ بالدفء المتصاعد فيّ أنا المجمّد الحبّ، وأعبرُ إليك كمن يمرّ وجهه بنارٍ، بنار وجهِكَ. أه، أخيراً أتجلّى في حقيقة لقاءك، أتجلّى في حقيقة لقاء ذاتي، أتجلّى في حقيقة لقاء الوجوه، أتجلّى في ضوء هواء الحبّ المصلوب على حقيقة اللقاء. أخيراً أعود إلى الرقص والضحك والسهر معيّداً في وجه حبيبتي وأصحابي وأنتَ.
يا مَنْ "مِنْ عزّ النوم بيسرقني ولمّا بهرب لبعيد بيسبقني"، يا أنتَ اللاحقني، يا أنتَ الساكنني، يا سرّ الحرّية والحبّ: ما سرّ وجهك المشرق عليّ بما يشبه الضوء؟ ما سرّ وجهك المشرق عليّ بما يشبه حبّاً مصلوباً يرفّ فوق المياه؟
أسألك، فأنا لم أعرف سوى جواباً واحداً في كأس يديك وجرن جنبك، ولا أريد أن أعرف أكثر، سوى... سوى المزيد من خبز عينيك في عبق اللقاء والصمت.
أكنتَ تعرف أمنيتي؟ لا شكّ أنّك كنت تعرف، شكراً أنّني صرتُ أنا أعرف أيضاً، يا فرحي، يا نَفَسَ نَفَسي، يا حبّي أنا، أنا المحبُّ الخائنُ المحبُّ الخائنُ المحبُّ الـ...، يا الآخر المُطلَق واللا آخر المُطلَق، يا المرسل الضوء الصامت، الساكن بيني وبيني.
17 تشرين الثاني 2010
خريستو المرّ
من عز النوم بتسرقني بهرب لبعيد بتسبقنيأتعب من السهر على نفسي، تغرّني الأشياء والأشخاص كي أنام فيها.
أنام. أهرب في النوم من الصحوِ الجارحِ الضوءِ.
أهرب إلى وهم الصلوات للأصنام. أطلب من عيونها المغلقة رؤيةً، ومن فمها الخالي من الهواء كلمةً، ومن أذنيها الغائصتين في قعر الخرافة إصغاءً.
أهرب إلى بعيدِ الوهمِ كي يعطيني شيئاً من حلم خلودٍ، ووهم اقتدار كلّي.
أهرب إلى بعيد وهمٍ غائصٍ في لحم نفسي، يناديني كي أكون إلهاً بذاتي، بالكون المغلق على الكون، بالإنسان المغلق على الإنسان.
أهرب إلى بعيد كلّ ضياعٍ، ساكنٍ في كلّ خليّة فيّ، ومُطِلٍّ إليّ في كلّ ثانية من ظلال دمي ولحمي ونفسي.
أهرب إلى الغرق في العمل والإنجاز، في العائلة، في الجماعات. أهرب إلى المال، إلى السلطة، إلى المُلْك، إلى تضخيم الأنا بكلّ ما يخبّئ هزالتها.
أهرب إلى الجحيم. أغرق في الجحيم، لأجد... لأجدك هناك سبقتني.
أهرب إلى النوم، إلى النوم البعيد، إلى النوم القريب، فتسبقني إلى نومي الجحيميّ؛ لتسرقني "من عزّ النوم"، لتقول لي "قم أيّها النائم".
يا حبي صرت بآخر أرض عم أمشي و تمشي فيّي الأرض لوينك بعدك لاحقني؟يا حبّي الذي تركته. ها أنا أبتعد. ها أنا أمشي على حافّة الهاوية، الهاوية الفاغرة فاهها في آخر أرض فيّ.
ها أنا أمشي، ها أنا لا أمشي، ها أنا أتوهّم أنّي أمشي.
وأنا، يا أنتَ، لم أسلك سبيل الوهم إلاّ لأنّي أستَقَلْتُ من قدرتي على المشي، وتركت لجّة ضوضاء العيش تحملني إلى كلّ عويلٍ جائعٍ يُشرْقِطُ ما يشبه جحيماً لذيذاً تحت فمي.
يحملني موج، يدغدغ حلمي بالحياة، فأتوهّم الحياة وأنا معزول في وسط الجموع.
وفي وسط الموج، في وسط نار الموج، في وسط العويل الجائع المشرقِطِ، حيث أُلاحق الوهم دائخاً، يلاحقني... وجهكَ.
صرتُ في آخر أرضٍ، أمشي تائهاً في الطين، أم هو الطين يمشي بي وأنا لم أزل في قاع مكاني؟ لا أعرف. أعرف أنّك ما زلت تلاحقني أينما ذهبت.
إلى أين؟ إلى أين تلاحقني؟ إلى أين يا أنتَ؟ ألا تتعب، يا حبّي، يا حبّي الذي تركتُه؟
كنا تودعنا و صوتك غاب و نادني العمر الفانيكنّا قد ودّع أحدنا الآخر. آه لا... فلأواجه جُبني: كنتُ قد ودّعتُك أنا وتركتُك، فغاب صوتك. آه لا فلأواجه هروبي، بل غبتُ أنا عن صوتك؛ غبتُ في إغراء الوحل الطريّ للأرجل. غبتُ في عبق الموت المتعرّش على النوافذ المغلقةِ، في نداء العمر لتجربة الوهم، لتجربة الفناء في الطُرُقِ الحلزونيّة.
ولمّا عا حالي سكرت الباب لاقيتك بيني و بين حالي"ولمّا عا حالي سكرت الباب"، عندما أغلقتُ على نفسي، عندما اعتقدت أنّني أغلقت آخر باب في قلبي أمام آخر خيط ضوء؛ هناك، في الجحيم، هناك بيني وبين نفسي، هناك وجدتُك "بيني وبين حالي"، هناك كنتَ تنتظرني نوراً أميناً.
هناك، في جحيم عينيّ المفتوحتين على ملح النوافذ المهجورة، وجدتك.
هناك، في الجحيم السرّيّ القابع بيني وبيني، وجدتك.
وجدتك قائماً سانداً قلبي الهزيل الدفء.
وجدتك مجروحاً بحنانك المرتعش منذ إنشاء العالم.
وجدتك تَمُدُّ ذاتك إليّ جسراً مفتوحاً، دعوةً راسيةً على شطآن الرحيل نحو الهواء الطلق.
هناك، حيث أغلقتُ نفسي، وطردتُ كلَّهم؛ فاجأتَني في جحيمِ بيني وبيني، تكتب على أبواب الموت سرّاً غريباً، تكتبُ حبَّك الحيّ.
مشلوحى على بحر النسيان فارقني النوم و كل شي كانكنتُ مشلوحاً في بحر النسيان... نسياني لنفسي، مشلوحاً في بحر ضياعي... ضياعي عن رغبتي فيك، وقد فارقني النوم من كثرة جوعي لمتعة العيد في وجهك.
كنتُ مرميّاً على الأرق، الأرق الساهر في كلّ ضحكة أصنعُها بلون السراب، أنا المرميّ على وجع الفراق، فراقي لك، وفراقي... لي.
وجك ما كان يفارقني و جرب أسبح و يغرقنيوفي مرميّتي " وجك ما كان يفارقني". حاولت أن أسبح بعيداً عنك، غائصاً في موت العزلة، فكان انتباهي لوجهك الرفيق نسمة هوائي، وأنا في رفضي لكَ رأيتُ جاذبيّة وجهك غرقاً فيك.
نعم أنا خفتُك. خفتُ أن أعترف أنّني تائهٌ في بحر يشبه البحر ولا يشبهه، في وحل يشبه الوحل ولا يشبهه، في وجع يشبه الوجع ولا يشبهه، في عزلة تشبه... تشبه اللقاء ولا تشبهه.
فسبحتُ بعيداً عن هواء وجهك، وغرقتُ أعمق في عزلتي، علّني لا أتنفّس وأموت، فلا أعترف ولا أعود ولا أتغيّر. غرقتُ خوفاً وألماً من ضياع وجهتي، ورفضتُ وجهك بوصلة لي ونَفَساً، يا نَفَسي. ورفضتُ وجهي، فوجهي بوصلتي أيضاً - فأنت فيه – ولكنّي أصررتُ على الوهم.
رقص و ضحك و سهرية عيد وكل صحابي حوالييحاولتُ أن أخدّر نفسي، هرباً من جوعي إلى وجهك، بشكل الرقص وبشكل الضحك وبشكل السهر وبشكل الصحبة، خدّرتُ نفسي بالارتماء في... اللاوجه، ارتميتُ في كتلة الناس.
وعم فتش أنا على حب جديد، والناس عيونا علييحاولتُ أن أفتّش عن أيّ "حبّ" جديد، عن أيّ سراب يشبه الحبّ، عن أيّ وجع يشبه الحبّ، كي أتجنّب تعب... خوف... تعب وخوف حبّ وجهك.
خفتُ أن يرى الناس أنّني بلا بوصلة، فخبّأتُ وجعي. خفتُ فارتميتُ في قطيع المعزولين كي أنسى؛ والتهم كلٌّ منّا في القطيع جحيمَ نفسِه جوعاً أبديّاً. وظننتُ أنّي أخيراً نسيتك.
بتطل بيوقع مني الكاس، وحدي اللي بشوفك من هالناسولكنّك، يا سرّ الحبّ، فجأةً تطلّ عليّ في جحيمي. تطلّ عليّ من داخل... نفسي. تصعقني، فيقع منّي كأس الوهم، يقع سُكري الموجوع. وحدي أراك، قائماً في عمقي المتوقّف عن الهروب. أراك، وأترك عينيّ تتأملان يديك وجنبك من جديد، تتأمّلان وجهك المكلّل بالحياة، تتأمّلانه تحت الضوء المتفجّر رقّةً من داخل ما يشبه آثار مسامير وطعنة.
من بين الكل بتسرقني و بتلج الماضي بتحرقنيوإذ أراك، وترتاح عينيّ على عينيك، على عينيك العميقتين، يا أنتَ؛ تسرقني من كلّ الأوهام ومن الموج ومن القطيع ومن الاختناق ومن الجدران ومن الشرقطات ومن التعب ومن... الخوف.
وتشعل نارَك أمام جليد خطيئتي، أمام ثلج ماضيّ الحارق، فأتوهّم وأنت توقظني من جليدي بضوء حنانك أنّك "بتلج الماضي بتحرقني".
يتحرّك قلبي من تحت الجليد موجوعاً وفرحاً لعودة الاحساس إليه. أخيراً أحسّ بالدفء المتصاعد فيّ أنا المجمّد الحبّ، وأعبرُ إليك كمن يمرّ وجهه بنارٍ، بنار وجهِكَ. أه، أخيراً أتجلّى في حقيقة لقاءك، أتجلّى في حقيقة لقاء ذاتي، أتجلّى في حقيقة لقاء الوجوه، أتجلّى في ضوء هواء الحبّ المصلوب على حقيقة اللقاء. أخيراً أعود إلى الرقص والضحك والسهر معيّداً في وجه حبيبتي وأصحابي وأنتَ.
يا مَنْ "مِنْ عزّ النوم بيسرقني ولمّا بهرب لبعيد بيسبقني"، يا أنتَ اللاحقني، يا أنتَ الساكنني، يا سرّ الحرّية والحبّ: ما سرّ وجهك المشرق عليّ بما يشبه الضوء؟ ما سرّ وجهك المشرق عليّ بما يشبه حبّاً مصلوباً يرفّ فوق المياه؟
أسألك، فأنا لم أعرف سوى جواباً واحداً في كأس يديك وجرن جنبك، ولا أريد أن أعرف أكثر، سوى... سوى المزيد من خبز عينيك في عبق اللقاء والصمت.
أكنتَ تعرف أمنيتي؟ لا شكّ أنّك كنت تعرف، شكراً أنّني صرتُ أنا أعرف أيضاً، يا فرحي، يا نَفَسَ نَفَسي، يا حبّي أنا، أنا المحبُّ الخائنُ المحبُّ الخائنُ المحبُّ الـ...، يا الآخر المُطلَق واللا آخر المُطلَق، يا المرسل الضوء الصامت، الساكن بيني وبيني.
17 تشرين الثاني 2010
خريستو المرّ