خريستو المرّ
شايف البحر شو كبير، بْكِبْر البحر بحبّك
أيّها الربّ المجهول، أيّها الربّ المعروف، يا ربّ، يا معطي ذاتك كلّها، يا حنان قلبي وقلبها، يا سماء وجعي وفرحي، يا أنت الأقرب إليّ من أنا والأبعد عنّي من الأزليّة، يا ربّ جوعي إلى المستحيل، يا ربّ رغبتي بالضوء الأكثر، يا ربّ الجوع الذي لا ينضب والعطش الذي لا قرار له. يا الله الممتدّ فوق الهاوية التي بيني بيني، والتي بيني وبينك، يا الله الساكن فيّ، أنا الواقف على الضفّة المعطوبة من الوجود. يا ربّ، يا ربّ حبّي... أحبّك.
أحبّك من قلب العتمة، أحبّك من قلب عدم استحقاقي لوجهك الحلو، أحبّك من قلب ضلالي الموجوع ومن قلب إخفاق سُفُني على شواطئ السفر، أحبّك من قلب الصحارى التي أتَهْتُ بها ذاتي، أحبّك من قلب عصياني لشوقي إلى الحبّ، أحبّك من قلب العدم الذي يلفّني، أحبّك من قلب أوجاع غربتي عنك. أحبّك من قلب شِرْكي لك مع أشياء هذا العالم. أحبّك من هوّة قصوري عن تحقيق أمنية أمنياتي: أن أحبّك. أحبّك بكِبَر بحر السؤال الذي لا جواب له: لماذا؟ أحبّك بقدر بعدي عن حبّك، بقدر قربي من بحر حبّك الذي يحملني دائما وأبداً. "شايف البحر شو كبير، بكبر البحر بحبّك".
شايف السما شو بعيدة، ببُعد السما بحبك
بكبر البحر وبعد السما بحبك، بحبّك يا حبيبي بحبك".
وكبعد السماء عن التراب وقربها من طين لحمي، أحبّك، وكبعدها عن ضياع عينيّ وقربها من قلقهما، أحبّك، وكبعدها عن سطح جسدي والتماعها في ملحه، أحبّك، وكبعدها عن سَفَرِ لساني وشروقها في لسان حبيبتي، أحبّك، وكبعدها عن فمي وقربها من ذهول شفتيّ على شفتيّ حبيبتي، أحبّك. "شايف السما شو بعيدة ببُعد السما بحبك"، وشايف السما شو قريبة بقرب السما بحبّك.
"بكبر البحر وبعد السما بحبك"، وكبعد السماء وقرب السماء أحبّك،
"بحبّك يا حبيبي بحبك".
نطرتك أنا، ندهتك أنا، رسمتك على المشاوير
وإنّي أحببتك وأردتك كما أنا أريد،
وعندما أريد.
فانتظرتك يا ربّ. انتظرتك. انتظرتك على مفارق وجعي، ونسيتك على طرقات فرحي؛ انتظرتك على حافّة الهاوية، وتهت عنك في غابات الضوء، انتظرتك أمام سكاكين الغياب ونسيتك في عسل اللقاء، انتظرتك في صحارى الهجرة ونسيتك في حدائق اللذّة. "نطرتك أنا"، ونسيتك أنا و... "ندهتك أنا".
طلبتك في الوجع، وعلى حافّة الهاوية، وأمام سكاكين الغياب، وفي صحارى الهجرة. وأنت لم تتكلّم. عاتبتُكَ بيني وبيني، وعاتبتك بيني وبينك. ثمّ انتبهت أمام صليبك أنّك طالما زرعت الفرحَ في طرقاتي، والضوءَ في غاباتي، والعسلَ في لقاءاتي، واللذّةَ في حدائقي؛ وأنّك لا بدّ اليوم تنتظرني. قرأتك تقول أنّك تقرع الباب، فانتبهت أنّك تنتظر منّي أن أكلّمك بدوري، فأنت جعلتَ نفسَكَ بحاجة لي، بحاجة أنّ أحبّك، أن أحبّك أنتَ لا أن "أحبّ" عطاياك، جعلتَ نفسك بحاجة أن تنتظرَ أمام بابي المغلق على انشغالي عن قمر عينيك، جعلتَ نفسك بحاجة أن ألاقيك بحرّية كي أصير إلهاً على مثالك، وأكون إنساناً فُتحت عيناه، إنساناً كان ميتاً عن وجه حبيبه فعاش بلقياه، إنساناً كان ضالاً عن أمنية أمانيه فوُجِدَ عارياً من كلّ أشيائه كي يصير معها واحداً، إنساناً وَجَدَ وجهه فرقص له الفرح في عينيك. انتبهتُ أنّك جعلتَ نفسك بحاجة أن أطلبَك بذاتك، وأكلّمك أنتَ، كي أخرج من شرنقة حاجاتي وأصير أنا، أصير واحدا معك؛ جعلتَ نفسك بحاجة أن أرسمك رحلةً في قلب رحلات حياتي كي أفرحَ دائماً وأبداً.
بوقوفك الصامت على باب قلبي علّمتني الحبّ، فـ"رسمتك على المشاوير"، رسمتك على مشوار حياتي، كما أنت رسمتني على كفّي يديك في رحيلك إليّ، وتأمّلتني في رحلة حبّك المجنون والمصلوب منذ الأزل.
رسمتك على مشاويري كلّها: الكئيب منها والمُنشرح، الفاشل منها والناجح، المكسور منها والمستقيم، المازح منها والجدّي، اللاهي منها والمُنتج، الموجوع منها والفَرِح، وصرتُ أتعلّم حبّك من صمتك، صرت أحبّك، أنتَ، أنتَ يا فجر العصافير المهاجرة إلى الضوء.
يا همّ العمر، يا دمع الزهر، يا مواسم العصافير
أحبّك "يا همّ العمر" يا مسؤوليّة عمري، يا مسؤوليّة عمري لأنّي أحبّك. أريد أن أقولَ وجهَك حولي، أريد أن أشهد لعينينك وليديك ولثقبيهما، وأريد أن أشهد لصوتك الذي يرتعش لسماع رنينه عنبُ أحشائي، أريد أن أضيء فتيلَ عالمنا بضوء عينيك وأن أشدّد رضوض حبّنا بشفتيك، وأسقي زهور نضالنا بدم جبينك، جبينك أنت يا "دمع الزهر"؛ أنت يا ضحكات الياسمين في الهواء، يا صلوات اليراقات في الليل وفي النهار، يا موسم الشِعر في قلب الموت، يا مواسم الحياة في عدم العدم، أنتَ يا موسم السرّ الدائم في المواسم والغياب، وفي ما بينها، أنتَ يا الفرح الراقص في وجه المولود ووجه الوالدة وما بينهما من حبّ ووجع. أنتَ يا أنتَ، أنا أحبّك، وأنا ممدود إليك "يا مواسم العصافير"، يا موسم الأجنحة التي ترفّ فوق المياه.
ما أوسع الغابة، وسع الغابة قلبي
يا مصوّر ع بابي، ومصوّر بقلبي
ممدود إليك لأنّي أحبّك. متّجه إليك، يا سيّد المفاجأة في قلبي، يا سيّد الضوء. تسكنُ الكون وتوسّع الغابة بالدهشة: "ما أوسع الغابة"، ما أوسع قلبي، "وسع الغابة قلبي". معك أنا أكبر من أنا، أنا أبعد من أنا؛ وبعدما كنتُ أحبّك، وأبحث عنك، وأنتظر منك كلمة، رأيتك كلمة تتمدّد في قلبي، توسّع فيّ عالم الدهشة والضوء المكسور كي أفرح، وتوسّع السؤال كي لا أستكين. ولهذا أيضاً أحبّك يا قلب قلبي، يا غابة الغابة فيّ، يا هواء الهواء في رئتيّ، يا دهشة فراشَتَيْ عينيّ أمام أبواب الضوء فوق نهد حبيبتي.
أحبّك "يا مصوّر ع بابي، ومصوّر بقلبي"، يا أنت الذي يتجاوزني والذي فيّ، يا أنت الذي انتظرتك صباح كلَّ تنفّس، ومساء كلّ حيرة، كي أسألك عن الزهر والموت، وكي أحبّك أكثر.
نطرتك سنة، ويا طول السنة، واسأل شجر الجوز
شوفك بالصحو، جاي من الصحو، وضايع بورق اللوز
بالأمس انتظرتك وطال انتظاري، ومرّت الفصول، "نطرتك سنة، ويا طول السنة، واسأل شجر الجوز". مرّت الفصول وأنا واقف على باب السؤال، أفتّش عليك أمام الأغصان المجرّدة، وأنتظر قدومك في موج زهر اللوز، أقف تحت مطر قلقي لأسمع صوت أقدامك عندما تأتي من بعيد، وأنتظر قدومك في الصحو. "شوفك بالصحو، جاي من الصحو، وضايع بورق اللوز". كان هذا قبل أن أنتبه إلى أنّك كنتَ هناك طوال الوقت، أنّك كنت حاضراً في قلب الانتظار، أنّي لم أكن لأنتظرك لو لم أكن قد لاقيتك، أنّي ما كنت لأفتّش عنك لو لم أكن قد وجدتك[1].
ما أصغر الدمعة أنا دمعة بدربك
بدّي أندر شمعة وتخليني حبك
تعبتُ حتّى بدأتُ الطريق إليك، وبملح الدموع عجنت قلبي، وبنار الحبّ خبزته، كيما أقدّمه لك قرباناً إذا ما وجدتك "تَعِباً" من كُفري، وكنتَ "جائعاً" إلى موائد اللقاء كي تعطيني قلبك. أنا الولد الذي ما يزال يركض في حارات اللعب والدهشة ما أصغرني في ملكوتك. آلمتُك حتّى استصغرت نفسي ورأيتُني مجرّد دمعة في دربك "ما أصغر الدمعة أنا دمعة بدربك"، لكنّ رُكبَتَيْك اللتَيْن طالما غفوتُ عليهما عندما كانت تنهكني زراعة الضوء، وحضنك الذي طالما عدت إليه عندما كانت تجرّحني أدغال الضياع، ووجهك الذي طالما أشعل لي الطريق، نبّهاني إلى أنّ وجهي المُرْتَبِك، يساوي أكواناً بكاملها لديك، فأحببت ذاتي ووهبتك وجهي. وقلت لنفسي "بدّي أندر شمعة وتخلّيني حبّك"، وها أنا أصلّي إليك كي أستطيع أن أحبّك، كي أستطيع أن أحبّك كما أنت تحبّني، كي يعين حبّك قلّة حبّي، كي أستطيع أن أحبّك من أجل نفسك، كي يبقى وجهك عندي أثمن من الأكوان كلّها يا الساكن وجهي وفرحي، يا ربّ جوعي إلى المستحيل، يا ربّ رغبتي بالضوء الأكثر، يا المستحيل، يا الضوء الأكثر، يا أنتَ، يا أنتَ "الحلو"، يا أنت المحرِّر بكلمتك والمحرِّر بصمتك، يا أنت المحرّر بحبّك، يا الحبّ ذاته، يا أنت، يا أنت الذي أنت. مَنْ أنت؟ مَنْ أنت!
خريستو المرّ
22 تشرين أوّل 2012 (نشرت في تشرين أوّل 2013)
[1] "لم تكن تبحث عنّي لو لم تكن قد وجدتني" ("Tu ne me chercherais pas si tu ne m'avais déjà trouvé"): باسكال
شايف البحر شو كبير، بْكِبْر البحر بحبّك
أيّها الربّ المجهول، أيّها الربّ المعروف، يا ربّ، يا معطي ذاتك كلّها، يا حنان قلبي وقلبها، يا سماء وجعي وفرحي، يا أنت الأقرب إليّ من أنا والأبعد عنّي من الأزليّة، يا ربّ جوعي إلى المستحيل، يا ربّ رغبتي بالضوء الأكثر، يا ربّ الجوع الذي لا ينضب والعطش الذي لا قرار له. يا الله الممتدّ فوق الهاوية التي بيني بيني، والتي بيني وبينك، يا الله الساكن فيّ، أنا الواقف على الضفّة المعطوبة من الوجود. يا ربّ، يا ربّ حبّي... أحبّك.
أحبّك من قلب العتمة، أحبّك من قلب عدم استحقاقي لوجهك الحلو، أحبّك من قلب ضلالي الموجوع ومن قلب إخفاق سُفُني على شواطئ السفر، أحبّك من قلب الصحارى التي أتَهْتُ بها ذاتي، أحبّك من قلب عصياني لشوقي إلى الحبّ، أحبّك من قلب العدم الذي يلفّني، أحبّك من قلب أوجاع غربتي عنك. أحبّك من قلب شِرْكي لك مع أشياء هذا العالم. أحبّك من هوّة قصوري عن تحقيق أمنية أمنياتي: أن أحبّك. أحبّك بكِبَر بحر السؤال الذي لا جواب له: لماذا؟ أحبّك بقدر بعدي عن حبّك، بقدر قربي من بحر حبّك الذي يحملني دائما وأبداً. "شايف البحر شو كبير، بكبر البحر بحبّك".
شايف السما شو بعيدة، ببُعد السما بحبك
بكبر البحر وبعد السما بحبك، بحبّك يا حبيبي بحبك".
وكبعد السماء عن التراب وقربها من طين لحمي، أحبّك، وكبعدها عن ضياع عينيّ وقربها من قلقهما، أحبّك، وكبعدها عن سطح جسدي والتماعها في ملحه، أحبّك، وكبعدها عن سَفَرِ لساني وشروقها في لسان حبيبتي، أحبّك، وكبعدها عن فمي وقربها من ذهول شفتيّ على شفتيّ حبيبتي، أحبّك. "شايف السما شو بعيدة ببُعد السما بحبك"، وشايف السما شو قريبة بقرب السما بحبّك.
"بكبر البحر وبعد السما بحبك"، وكبعد السماء وقرب السماء أحبّك،
"بحبّك يا حبيبي بحبك".
نطرتك أنا، ندهتك أنا، رسمتك على المشاوير
وإنّي أحببتك وأردتك كما أنا أريد،
وعندما أريد.
فانتظرتك يا ربّ. انتظرتك. انتظرتك على مفارق وجعي، ونسيتك على طرقات فرحي؛ انتظرتك على حافّة الهاوية، وتهت عنك في غابات الضوء، انتظرتك أمام سكاكين الغياب ونسيتك في عسل اللقاء، انتظرتك في صحارى الهجرة ونسيتك في حدائق اللذّة. "نطرتك أنا"، ونسيتك أنا و... "ندهتك أنا".
طلبتك في الوجع، وعلى حافّة الهاوية، وأمام سكاكين الغياب، وفي صحارى الهجرة. وأنت لم تتكلّم. عاتبتُكَ بيني وبيني، وعاتبتك بيني وبينك. ثمّ انتبهت أمام صليبك أنّك طالما زرعت الفرحَ في طرقاتي، والضوءَ في غاباتي، والعسلَ في لقاءاتي، واللذّةَ في حدائقي؛ وأنّك لا بدّ اليوم تنتظرني. قرأتك تقول أنّك تقرع الباب، فانتبهت أنّك تنتظر منّي أن أكلّمك بدوري، فأنت جعلتَ نفسَكَ بحاجة لي، بحاجة أنّ أحبّك، أن أحبّك أنتَ لا أن "أحبّ" عطاياك، جعلتَ نفسك بحاجة أن تنتظرَ أمام بابي المغلق على انشغالي عن قمر عينيك، جعلتَ نفسك بحاجة أن ألاقيك بحرّية كي أصير إلهاً على مثالك، وأكون إنساناً فُتحت عيناه، إنساناً كان ميتاً عن وجه حبيبه فعاش بلقياه، إنساناً كان ضالاً عن أمنية أمانيه فوُجِدَ عارياً من كلّ أشيائه كي يصير معها واحداً، إنساناً وَجَدَ وجهه فرقص له الفرح في عينيك. انتبهتُ أنّك جعلتَ نفسك بحاجة أن أطلبَك بذاتك، وأكلّمك أنتَ، كي أخرج من شرنقة حاجاتي وأصير أنا، أصير واحدا معك؛ جعلتَ نفسك بحاجة أن أرسمك رحلةً في قلب رحلات حياتي كي أفرحَ دائماً وأبداً.
بوقوفك الصامت على باب قلبي علّمتني الحبّ، فـ"رسمتك على المشاوير"، رسمتك على مشوار حياتي، كما أنت رسمتني على كفّي يديك في رحيلك إليّ، وتأمّلتني في رحلة حبّك المجنون والمصلوب منذ الأزل.
رسمتك على مشاويري كلّها: الكئيب منها والمُنشرح، الفاشل منها والناجح، المكسور منها والمستقيم، المازح منها والجدّي، اللاهي منها والمُنتج، الموجوع منها والفَرِح، وصرتُ أتعلّم حبّك من صمتك، صرت أحبّك، أنتَ، أنتَ يا فجر العصافير المهاجرة إلى الضوء.
يا همّ العمر، يا دمع الزهر، يا مواسم العصافير
أحبّك "يا همّ العمر" يا مسؤوليّة عمري، يا مسؤوليّة عمري لأنّي أحبّك. أريد أن أقولَ وجهَك حولي، أريد أن أشهد لعينينك وليديك ولثقبيهما، وأريد أن أشهد لصوتك الذي يرتعش لسماع رنينه عنبُ أحشائي، أريد أن أضيء فتيلَ عالمنا بضوء عينيك وأن أشدّد رضوض حبّنا بشفتيك، وأسقي زهور نضالنا بدم جبينك، جبينك أنت يا "دمع الزهر"؛ أنت يا ضحكات الياسمين في الهواء، يا صلوات اليراقات في الليل وفي النهار، يا موسم الشِعر في قلب الموت، يا مواسم الحياة في عدم العدم، أنتَ يا موسم السرّ الدائم في المواسم والغياب، وفي ما بينها، أنتَ يا الفرح الراقص في وجه المولود ووجه الوالدة وما بينهما من حبّ ووجع. أنتَ يا أنتَ، أنا أحبّك، وأنا ممدود إليك "يا مواسم العصافير"، يا موسم الأجنحة التي ترفّ فوق المياه.
ما أوسع الغابة، وسع الغابة قلبي
يا مصوّر ع بابي، ومصوّر بقلبي
ممدود إليك لأنّي أحبّك. متّجه إليك، يا سيّد المفاجأة في قلبي، يا سيّد الضوء. تسكنُ الكون وتوسّع الغابة بالدهشة: "ما أوسع الغابة"، ما أوسع قلبي، "وسع الغابة قلبي". معك أنا أكبر من أنا، أنا أبعد من أنا؛ وبعدما كنتُ أحبّك، وأبحث عنك، وأنتظر منك كلمة، رأيتك كلمة تتمدّد في قلبي، توسّع فيّ عالم الدهشة والضوء المكسور كي أفرح، وتوسّع السؤال كي لا أستكين. ولهذا أيضاً أحبّك يا قلب قلبي، يا غابة الغابة فيّ، يا هواء الهواء في رئتيّ، يا دهشة فراشَتَيْ عينيّ أمام أبواب الضوء فوق نهد حبيبتي.
أحبّك "يا مصوّر ع بابي، ومصوّر بقلبي"، يا أنت الذي يتجاوزني والذي فيّ، يا أنت الذي انتظرتك صباح كلَّ تنفّس، ومساء كلّ حيرة، كي أسألك عن الزهر والموت، وكي أحبّك أكثر.
نطرتك سنة، ويا طول السنة، واسأل شجر الجوز
شوفك بالصحو، جاي من الصحو، وضايع بورق اللوز
بالأمس انتظرتك وطال انتظاري، ومرّت الفصول، "نطرتك سنة، ويا طول السنة، واسأل شجر الجوز". مرّت الفصول وأنا واقف على باب السؤال، أفتّش عليك أمام الأغصان المجرّدة، وأنتظر قدومك في موج زهر اللوز، أقف تحت مطر قلقي لأسمع صوت أقدامك عندما تأتي من بعيد، وأنتظر قدومك في الصحو. "شوفك بالصحو، جاي من الصحو، وضايع بورق اللوز". كان هذا قبل أن أنتبه إلى أنّك كنتَ هناك طوال الوقت، أنّك كنت حاضراً في قلب الانتظار، أنّي لم أكن لأنتظرك لو لم أكن قد لاقيتك، أنّي ما كنت لأفتّش عنك لو لم أكن قد وجدتك[1].
ما أصغر الدمعة أنا دمعة بدربك
بدّي أندر شمعة وتخليني حبك
تعبتُ حتّى بدأتُ الطريق إليك، وبملح الدموع عجنت قلبي، وبنار الحبّ خبزته، كيما أقدّمه لك قرباناً إذا ما وجدتك "تَعِباً" من كُفري، وكنتَ "جائعاً" إلى موائد اللقاء كي تعطيني قلبك. أنا الولد الذي ما يزال يركض في حارات اللعب والدهشة ما أصغرني في ملكوتك. آلمتُك حتّى استصغرت نفسي ورأيتُني مجرّد دمعة في دربك "ما أصغر الدمعة أنا دمعة بدربك"، لكنّ رُكبَتَيْك اللتَيْن طالما غفوتُ عليهما عندما كانت تنهكني زراعة الضوء، وحضنك الذي طالما عدت إليه عندما كانت تجرّحني أدغال الضياع، ووجهك الذي طالما أشعل لي الطريق، نبّهاني إلى أنّ وجهي المُرْتَبِك، يساوي أكواناً بكاملها لديك، فأحببت ذاتي ووهبتك وجهي. وقلت لنفسي "بدّي أندر شمعة وتخلّيني حبّك"، وها أنا أصلّي إليك كي أستطيع أن أحبّك، كي أستطيع أن أحبّك كما أنت تحبّني، كي يعين حبّك قلّة حبّي، كي أستطيع أن أحبّك من أجل نفسك، كي يبقى وجهك عندي أثمن من الأكوان كلّها يا الساكن وجهي وفرحي، يا ربّ جوعي إلى المستحيل، يا ربّ رغبتي بالضوء الأكثر، يا المستحيل، يا الضوء الأكثر، يا أنتَ، يا أنتَ "الحلو"، يا أنت المحرِّر بكلمتك والمحرِّر بصمتك، يا أنت المحرّر بحبّك، يا الحبّ ذاته، يا أنت، يا أنت الذي أنت. مَنْ أنت؟ مَنْ أنت!
خريستو المرّ
22 تشرين أوّل 2012 (نشرت في تشرين أوّل 2013)
[1] "لم تكن تبحث عنّي لو لم تكن قد وجدتني" ("Tu ne me chercherais pas si tu ne m'avais déjà trouvé"): باسكال