جان رطل
المخرج المسرحيّ جان رطل
المخرج المسرحيّ جان رطل
جان مخرج مسرحيّ موهوب، مأساته
ومأساتنا أنّه عاش في بلد قاتل للمواهب هو لبنان، وليس ذلك فقط وإنّما في أحد
المدن المحرومة في هذا البلد، وفي خضمّ حرب أهليّة مجنونة. قال لي يوماً أحد
العمداء في إحدى الجامعات بأنّ لبنان هو بيروت. هذه هي كارثة المدن اللبنانيّة
كافّة، كلّ البلد متركّز في بيروت. هذه لعنة المواطنين غير "المحظوظين" الذين
يعيشون خارج ذلك الورم السكّانيّ الذي يدعى بيروت، وهي نتيجة لنمط سياسيّ اقتصاديّ
صنعه بعض المتموّلين والعائلات الإقطاعيّة الذين أقاموا بلدا على مقاس مصالحهم.
مسرحيّة مرايا إشبيلية" لألفرد
فرج التي أخرجها في قلب الحرب الأهليّة كانت نبوءة لما سيحدث في لبنان بعد الحرب
الأهليّة: كلّ شيء أصبح "سوق"... صراخ أحد أبطال المسرحيّة ما زال يرنّ على مسرح
الرابطة الثقافية إلى اليوم: "اشتري... اشتري".
لكن كيف يمكن لجان أن يتابع
ويخرج مسرحا وهو يسكن طرابلس، وفي قلب حرب! بينما نحن شهدنا تحت أعيننا عمليّة قتل
مبنى مسرح بيروت بعد الحرب، وفي زمن السلم الأهلي (أو هو زمن حرب تفتيت البلد
ونهبه).
قد لا يكتب التاريخ عن جان رطل
في كتب تأريخ المسرح اللبنانيّ ولكن شخصه كمخرج مكتوب في قلوبنا نحن الذين أشركنا
بمغامراته المسرحيّة (وكلمة "مغامرة" قليلة لعملٍ مسرحيّ في قلب بلد كان مسرحاً
للموت). جان رطل منحنا فرحا غامرا وغيّر فينا أشياء كثيرة أقلّها نضجا وصداقات وغنى
سيرافقنا عندما نمثل أمام يديّ الله في ملكوته، عندما سنغنّي معاً على مائدة الحبّ
وكلّ جمال؛ ومنه ذلك الجمال الذي منحنا جان رطل أن نشاركه في صناعته.
كان جان في مغامراته
المسرحيّة، في وسط الموت والكآبة، وكأنّه يزرع خارج الزمن نبتة أمل ورجاء. كان يكتب
في حركات مسرحه كلاماً فنّيا عكس الموت. لا أشكّ لحظة بأنّه زرع ليس فقط لذّة
وجمالاً وفرحا لدى المشاهدين والعاملين معه، ولكن زرع حبّاً كثيراً مع فوتين زوجته
التي شاركته في صناعة مغامراته.
لقد فتح
جان للكثيرين باب مشاركة بصنع تاريخ حقيقيّ لمدينة طرابلس، تاريخ الذين عاشوا تلك
المرحلة، وما هو أهمّ في تاريخ مدينة إن لم يكن التاريخ الشخصيّ لأهلها؟ جان رطل
فتح أمامنا نحن - طلاّباً جامعيين وبعض عمّال - مجالاً للمشاركة في صناعة تاريخ
مدينة، وفي الشهادة للفرح، والمشاركة في عمليّة تجلّي هذا العالم بعمل فنّي – وكلّ
فنّ إعادة خلق- زرعَ رجاء في زمن ظلمة.
لا يمكن
لإنسان أن يصنع ما صنعه جان، في زمن كزمنه، وفي مدينة كمدينته، إلاّ إنسان مؤمن
ومتيّم وعاشق ومحبّ وملتهب ومجروح ككلّ فنّان حقّ. جان رطل غيّر في هذا العالم
قلوباً وهذا أقصى ما يمكن لإنسان أن يحلم بأن يغيّره. لا تاريخ أجمل من تاريخ
القلوب، فهي التي تدوم إلى منتهى الدهر وترسو بين يديّ الله.
خريستو
المرّ
6 أيّار
2012
الإيمان والثقافة
ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح