الانتخابات: نظرة مسيحية
النهار- الأحد 07 حزيران 2009 - السنة 76 - العدد 23718
نيقولا لوقا(•) وخريستو المر(••)
لكي ما تكون أي نظرة مسيحيةً، يجب ان تنطلق من المسيح. إن تعريف الانسان بأنه مسيحي مرتبط بأمر واحد، هو أن يكون في علاقة شخصية مع المسيح، وان يتحد به بالروح القدس فيتحول الى انسان جديد. هكذا يحقق "مثال" الثالوث الذي على "صورته" خلقنا جميعاً، وصورة الله كما يراها آباء الكنيسة هي في الحرية والعقل، وهي كذلك في المحبة.
هذا الايمان المسيحي، هذا السير بالصورة لتحقيق المثال، له مترتبات عملية. فبما ان الحرية والعقل والمحبة هي تلك الصورة الالهية فينا، فالايمان المسيحي يقتضي تنمية الحرية واستخدام العقل وتنمية المحبة، وهذا له انعكاسات في الممارسة السياسية وفي الانتخابات.
الحرية
فتنمية الحرية تقتضي من وجهة نظر مسيحية ان يحافظ المواطن على حريته، فلا يخضع في الانتخابات لإغراء مالي او وظيفي. وإلا فهو يرتمي في العبودية ويرفض المشاركة في فعل التحرير الذي اطلقه يسوع على الصليب، "لقد اشتريتم بثمن (اي حررتم) لا تصيروا عبيداً للناس" (1 كور 23:7). الله خلقنا احراراً، الى حد انه يسمح بأن نرفضه، مع انه يبقى مصدر حياتنا ووجودنا كل لحظة، فكيف نختار سياسياً يوزع "خدمات" اشتراطية، خدمات تجعله "ولي نعمتك" فيكون فرعوناً - الهاً نحن مساهمون في رفعه الى مصاف ألوهة كاذبة خائنين الله ومكبلين أنفسنا في علاقة عبودية؟ "الزعيم" او السياسي الحقيقي هو القيادي الخادم على صورة المسيح، عاملاً بوصيته "من أراد ان يكون فيكم اولاً فليكن للكل خادماً" (متى 26:20)، ونود هنا التشديد على كلمة "للكل"، فلا ننتخب الا من يساهم في بناء دولة تقدم للكل، لكل مواطنة ومواطن، حقوقهم، محترمة حريتهم وانسانيتهم. القيادي والسياسي الحقيقي هو من يبني دولة تكون ملكاً للشعب، عوض ان تكون اقطاعاً له ولاولاده ولزبانيته. واذا استعرنا مقاربة من بولس الرسول (1 كور 12:1)، فالنائب او المنتخب لا يقول "أنا لفلان وأنا لفلان"، أنا لذلك الزعيم او ذاك، انا لتك الطائفة او تلك (1)، انا لذلك الحزب او ذاك. وعلى المواطن بشكل خاص ان يكون داعماً من يخدم الوطن بأبنائه كلهم، وطبيعته، وبيئته المحتضرة، خادماً لكل انسان ولكل الانسان.
ثم ان الحرية تقتضي ان يقبل الانسان بالاختلاف في الرأي دون ان يسعى لكسر حرية الآخر، بتهديد او بترغيب، او انتهاك كرامة انسان بسبب رأيه السياسي حتى ولو كان هذا الرأي متعارضاً بالكلية مع رأيه الشخصي، وحتى ولو كان يرى في رأي الآخر شراً (بالطبع في حالة فعل الشر القانون هو الحكم).
العقل
إن استخدام ملكة العقل يعني ان يستطيع الانسان ايضاً "تمييز الارواح" المعاصرة (1 كور 10:12)، وان يمتحنها على ضوء الايمان ليرى "هل هي من الله" (1 يو 1:4). و"الارواح" المعاصرة الاكثر تأثيراً هي قائمة في وسائل الاعلام، بقدرتها الهائلة على التلاعب بالعقول(2). فلا بد ان يكون المؤمنون "حكماء كالحيات" كما يوصي يسوع (متى 16:10)، فيتنبهون ويحكمون ضمائرهم وعقولهم، فلا تتلاعب بهم دعاية اعلامية، او اعلانية، او ضغوط عائلية، او ضغوط اصدقاء، فيبقون محبين لمن هم في محيطهم دون ان يخضعوا لهم خاسرين هكذا حريتهم، وعقولهم في الآن عينه.
فعلى المواطن أن يدرك بأنه كما ان ابن الطبيب ليس بالضرورة طبيباً، كذلك ابن النائب ليس بالضرورة نائباً، وانه قد يكون هناك مواطنون آخرون قادرون اكثر منه على تحمل المسؤولية وتثمير الامكانيات الموضوعة بين أيديهم. أن الناخب يجب ان ينتخب لمواهبه وبرامجه وليس على اساس انتمائه العائلي والعشائري، وان اتجاهاً كهذا لدى المواطنين قد يحرر حتى ابناء النواب من مجد باطل، ومن أسر وهم الزعامة، فيعم خيرهم على المواطنين بواسطة اعمال اكثر انسجاماً مع مواهبهم وأنفسهم ومع ما أوصانا به بولس الرسول "مهما فعلتم فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كور 31:10).
مسؤولية المحبة
ان المحبة ليست مجرد شعور عاطفي وانما هي مسؤولية، مسؤولية فعل في التاريخ، فعل من أجل المستضعفين، من أجل من يسميهم يسوع بـ"اخوتي الصغار"، والمسيح يجعل من موقفنا الفاعل تجاه اخوته او من موقفنا المتقاعس، من تقصيرنا تجاههم، مجال دينونة للمؤمن المسيحي في اليوم الأخير (متى 31:25 – 36). وعلى الصعيد الانتخابي هذا يترجَم فعليّاً بأن يضع المسيحيّ نصب عينيه "الإخوة الصغار" وهو ينتخب، وبذلك لا ينتخب الانسان مرشحاً فاسداً، يمكن ان يهدم حياة المواطنين ومستقبلهم بفساده، ولا ينتخب انساناً عنصرياً او طائفياً يؤذي اللبنانيين جميعاً، بل ينتخب من يرى فيه خيراً للفقراء والمهمشين والمستضعفين، ولا يفكر في منفعة شخصية له ولـ"حاشيته". ويجب ان يتنبه المسيحي بأنه لا يكفي ان يكون فقط "آدمياً" لا يفعل الشر، بل يجب ان يناهض الشر، لأنه مسؤول عن "الصغار"، وهذا معنى كلمة المسيح يوم الدينونة "كنت جائعاً فما اطعمتموني، وعطشاناً فما سقيتموني، وغريباً فما آويتموني، وعرياناً فما كسوتموني، ومريضاً وسجيناً فما زرتموني"، "الآدمية" لا تكفي، يجب الفعل ايجابياً في الحياة بتقديم المعونة وبتغيير البنى الجائرة. المسيحي مسؤول عن خلاص نفسه وهذا لا يتم اذا أهمل خلاص غيره.
ثم ان الحرية نفسها مرتبطة بالمحبة، فمسؤولية المحبة تنبع من مسؤولية الحرية. فالحرية حق ولكنها بالدرجة الاولى مسؤولية، فالمسيح ولدنا احراراً، وليس من سبيل لتحقيق حريتنا اذا لم نلتصق بالمسيح – الحق "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 32:8)، ولكن الوحدة مع المسيح ليست شفهية ليست كلامية، فـ"ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، وانما من يعمل مشيئة أبي" (متى 21:7)، لهذا فان حريتنا هي في أن نعمل للحق. ولكن ما العمل للحق سوى تحويل هذه الارض الى مكان لتهجئة الملكوت، اي الى مكان نغير فيه البنى الجائرة لنؤسس بنى عدل وكرامة لكل انسان، لكل ابنة وابن لله؟
مسؤولية الناخب والنائب
إن مسؤولية المؤمنين، الناخبين والنواب القادمين، أعسر من مسؤولية سواهم، لأن هؤلاء يمارسون مسؤولياتهم في ظل ايمانهم بالله. إن الانسان المعرّف عن نفسه كمسيحي، عليه ان يذكر دائماً قول المسيح "لولا أني جئت وكلمتهم، لما كانت عليهم خطيئة. اما الآن، فلا عذر لهم من خطيئتهم" (يو 22:15). هكذا، فالذين يؤذون حريتهم وحرية غيرهم، والذين يستهينون بعقولهم ويتلاعبون بعقول غيرهم، والذين يجففون ينابيع محبتهم ويـبنون بنى ظلم تُصَعِّب طرق المحبة، وتقتل الناس معنوياً ومادياً، هؤلاء "يجدفون على الروح"، اي يرفضون ان يصيروا واحداً مع المسيح، ثم يدّعون التسمي باسمه، هؤلاء استبدلوا "روح الحق والمعرفة" ومجد الله بمجد زائل، على حساب منفعة اخوة يسوع الصغار، هؤلاء نسوا تعليم بولس الرسول "لا يسعين احد الى منفعته بل الى منفعة غيره" (1 كور 24:10). ان النيابة، كما كل عمل، هي مسؤولية، كمسؤولية "الوزنات" التي ذكرها يسوع (متى 14:25 – 30)، اي هي مجال خدمة، وتثميرها واجب ايماني، وهذا يتم بتفعيل العمل النيابي بشكل متواصل من أجل تأسيس بنى الحرية والفكر والعلم والمحبة في الوطن، محترمين صورة الله في النائب وفي المواطن. لهذا فلا يكفي ألا يسرق النائب مباشرة، فانه بعدم تفعيله وتثميره لهذه الامكانيات التي ائتمن عليها "بطمره الوزنة"، يكون سارقاً لآمال المواطنين واحلامهم بغد افضل لهم ولابنائهم، فمسؤولية النائب تقتضي تفعيلاً لمواهبه في عمله، لكي تؤسَّس بُنى المحبة والحرية والفكر في المجتمع، بواسطة قوانين ترسي حقوق المواطن الانسانية في نظام صحي، وتربوي، مجاني او شبه مجاني، وانماء وظيفي، وعدالة اجتماعية بكل ابعادها، غير خالطين بين حرية التعبير التي يجب ان تبقى بلا قسر، وبين ترجمة المحبة بعدالة اجتماعية التي لا بد ان تمر بقوانين تحفظ حياة الناس الكريمة، ولو على حساب "حرية" اقتصادية مزعومة، هي في الواقع "حرية" البعض باستغلال البعض الآخر.
فيا نواب وخدام الشعب، لن تسألوا فقط في يوم القيامة، عما فعلتم بل عما كان بامكانكم ان تفعلوا ولم تفعلوه، وكذلك سيُسأل كل ناخب وناخبة.
(•) نيقولا لوقا: أستاذ وباحث في جامعة القديس يوسف – بيروت.
(••) خريستو المرّ: أستاذ وباحث في جامعة يورك – كندا.
1- خريستو المرّ ونيقولا لوقا،"المسيحيّون والسياسة: لا للتكتّل الطائفيّ"، النهار، عدد 22914، 11 شباط 2007
2- خريستو المرّ، "وعود الإعلام وأوهام الحرّية: المسيح والتحرير"، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع، 2009
هذا الايمان المسيحي، هذا السير بالصورة لتحقيق المثال، له مترتبات عملية. فبما ان الحرية والعقل والمحبة هي تلك الصورة الالهية فينا، فالايمان المسيحي يقتضي تنمية الحرية واستخدام العقل وتنمية المحبة، وهذا له انعكاسات في الممارسة السياسية وفي الانتخابات.
الحرية
فتنمية الحرية تقتضي من وجهة نظر مسيحية ان يحافظ المواطن على حريته، فلا يخضع في الانتخابات لإغراء مالي او وظيفي. وإلا فهو يرتمي في العبودية ويرفض المشاركة في فعل التحرير الذي اطلقه يسوع على الصليب، "لقد اشتريتم بثمن (اي حررتم) لا تصيروا عبيداً للناس" (1 كور 23:7). الله خلقنا احراراً، الى حد انه يسمح بأن نرفضه، مع انه يبقى مصدر حياتنا ووجودنا كل لحظة، فكيف نختار سياسياً يوزع "خدمات" اشتراطية، خدمات تجعله "ولي نعمتك" فيكون فرعوناً - الهاً نحن مساهمون في رفعه الى مصاف ألوهة كاذبة خائنين الله ومكبلين أنفسنا في علاقة عبودية؟ "الزعيم" او السياسي الحقيقي هو القيادي الخادم على صورة المسيح، عاملاً بوصيته "من أراد ان يكون فيكم اولاً فليكن للكل خادماً" (متى 26:20)، ونود هنا التشديد على كلمة "للكل"، فلا ننتخب الا من يساهم في بناء دولة تقدم للكل، لكل مواطنة ومواطن، حقوقهم، محترمة حريتهم وانسانيتهم. القيادي والسياسي الحقيقي هو من يبني دولة تكون ملكاً للشعب، عوض ان تكون اقطاعاً له ولاولاده ولزبانيته. واذا استعرنا مقاربة من بولس الرسول (1 كور 12:1)، فالنائب او المنتخب لا يقول "أنا لفلان وأنا لفلان"، أنا لذلك الزعيم او ذاك، انا لتك الطائفة او تلك (1)، انا لذلك الحزب او ذاك. وعلى المواطن بشكل خاص ان يكون داعماً من يخدم الوطن بأبنائه كلهم، وطبيعته، وبيئته المحتضرة، خادماً لكل انسان ولكل الانسان.
ثم ان الحرية تقتضي ان يقبل الانسان بالاختلاف في الرأي دون ان يسعى لكسر حرية الآخر، بتهديد او بترغيب، او انتهاك كرامة انسان بسبب رأيه السياسي حتى ولو كان هذا الرأي متعارضاً بالكلية مع رأيه الشخصي، وحتى ولو كان يرى في رأي الآخر شراً (بالطبع في حالة فعل الشر القانون هو الحكم).
العقل
إن استخدام ملكة العقل يعني ان يستطيع الانسان ايضاً "تمييز الارواح" المعاصرة (1 كور 10:12)، وان يمتحنها على ضوء الايمان ليرى "هل هي من الله" (1 يو 1:4). و"الارواح" المعاصرة الاكثر تأثيراً هي قائمة في وسائل الاعلام، بقدرتها الهائلة على التلاعب بالعقول(2). فلا بد ان يكون المؤمنون "حكماء كالحيات" كما يوصي يسوع (متى 16:10)، فيتنبهون ويحكمون ضمائرهم وعقولهم، فلا تتلاعب بهم دعاية اعلامية، او اعلانية، او ضغوط عائلية، او ضغوط اصدقاء، فيبقون محبين لمن هم في محيطهم دون ان يخضعوا لهم خاسرين هكذا حريتهم، وعقولهم في الآن عينه.
فعلى المواطن أن يدرك بأنه كما ان ابن الطبيب ليس بالضرورة طبيباً، كذلك ابن النائب ليس بالضرورة نائباً، وانه قد يكون هناك مواطنون آخرون قادرون اكثر منه على تحمل المسؤولية وتثمير الامكانيات الموضوعة بين أيديهم. أن الناخب يجب ان ينتخب لمواهبه وبرامجه وليس على اساس انتمائه العائلي والعشائري، وان اتجاهاً كهذا لدى المواطنين قد يحرر حتى ابناء النواب من مجد باطل، ومن أسر وهم الزعامة، فيعم خيرهم على المواطنين بواسطة اعمال اكثر انسجاماً مع مواهبهم وأنفسهم ومع ما أوصانا به بولس الرسول "مهما فعلتم فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كور 31:10).
مسؤولية المحبة
ان المحبة ليست مجرد شعور عاطفي وانما هي مسؤولية، مسؤولية فعل في التاريخ، فعل من أجل المستضعفين، من أجل من يسميهم يسوع بـ"اخوتي الصغار"، والمسيح يجعل من موقفنا الفاعل تجاه اخوته او من موقفنا المتقاعس، من تقصيرنا تجاههم، مجال دينونة للمؤمن المسيحي في اليوم الأخير (متى 31:25 – 36). وعلى الصعيد الانتخابي هذا يترجَم فعليّاً بأن يضع المسيحيّ نصب عينيه "الإخوة الصغار" وهو ينتخب، وبذلك لا ينتخب الانسان مرشحاً فاسداً، يمكن ان يهدم حياة المواطنين ومستقبلهم بفساده، ولا ينتخب انساناً عنصرياً او طائفياً يؤذي اللبنانيين جميعاً، بل ينتخب من يرى فيه خيراً للفقراء والمهمشين والمستضعفين، ولا يفكر في منفعة شخصية له ولـ"حاشيته". ويجب ان يتنبه المسيحي بأنه لا يكفي ان يكون فقط "آدمياً" لا يفعل الشر، بل يجب ان يناهض الشر، لأنه مسؤول عن "الصغار"، وهذا معنى كلمة المسيح يوم الدينونة "كنت جائعاً فما اطعمتموني، وعطشاناً فما سقيتموني، وغريباً فما آويتموني، وعرياناً فما كسوتموني، ومريضاً وسجيناً فما زرتموني"، "الآدمية" لا تكفي، يجب الفعل ايجابياً في الحياة بتقديم المعونة وبتغيير البنى الجائرة. المسيحي مسؤول عن خلاص نفسه وهذا لا يتم اذا أهمل خلاص غيره.
ثم ان الحرية نفسها مرتبطة بالمحبة، فمسؤولية المحبة تنبع من مسؤولية الحرية. فالحرية حق ولكنها بالدرجة الاولى مسؤولية، فالمسيح ولدنا احراراً، وليس من سبيل لتحقيق حريتنا اذا لم نلتصق بالمسيح – الحق "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 32:8)، ولكن الوحدة مع المسيح ليست شفهية ليست كلامية، فـ"ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، وانما من يعمل مشيئة أبي" (متى 21:7)، لهذا فان حريتنا هي في أن نعمل للحق. ولكن ما العمل للحق سوى تحويل هذه الارض الى مكان لتهجئة الملكوت، اي الى مكان نغير فيه البنى الجائرة لنؤسس بنى عدل وكرامة لكل انسان، لكل ابنة وابن لله؟
مسؤولية الناخب والنائب
إن مسؤولية المؤمنين، الناخبين والنواب القادمين، أعسر من مسؤولية سواهم، لأن هؤلاء يمارسون مسؤولياتهم في ظل ايمانهم بالله. إن الانسان المعرّف عن نفسه كمسيحي، عليه ان يذكر دائماً قول المسيح "لولا أني جئت وكلمتهم، لما كانت عليهم خطيئة. اما الآن، فلا عذر لهم من خطيئتهم" (يو 22:15). هكذا، فالذين يؤذون حريتهم وحرية غيرهم، والذين يستهينون بعقولهم ويتلاعبون بعقول غيرهم، والذين يجففون ينابيع محبتهم ويـبنون بنى ظلم تُصَعِّب طرق المحبة، وتقتل الناس معنوياً ومادياً، هؤلاء "يجدفون على الروح"، اي يرفضون ان يصيروا واحداً مع المسيح، ثم يدّعون التسمي باسمه، هؤلاء استبدلوا "روح الحق والمعرفة" ومجد الله بمجد زائل، على حساب منفعة اخوة يسوع الصغار، هؤلاء نسوا تعليم بولس الرسول "لا يسعين احد الى منفعته بل الى منفعة غيره" (1 كور 24:10). ان النيابة، كما كل عمل، هي مسؤولية، كمسؤولية "الوزنات" التي ذكرها يسوع (متى 14:25 – 30)، اي هي مجال خدمة، وتثميرها واجب ايماني، وهذا يتم بتفعيل العمل النيابي بشكل متواصل من أجل تأسيس بنى الحرية والفكر والعلم والمحبة في الوطن، محترمين صورة الله في النائب وفي المواطن. لهذا فلا يكفي ألا يسرق النائب مباشرة، فانه بعدم تفعيله وتثميره لهذه الامكانيات التي ائتمن عليها "بطمره الوزنة"، يكون سارقاً لآمال المواطنين واحلامهم بغد افضل لهم ولابنائهم، فمسؤولية النائب تقتضي تفعيلاً لمواهبه في عمله، لكي تؤسَّس بُنى المحبة والحرية والفكر في المجتمع، بواسطة قوانين ترسي حقوق المواطن الانسانية في نظام صحي، وتربوي، مجاني او شبه مجاني، وانماء وظيفي، وعدالة اجتماعية بكل ابعادها، غير خالطين بين حرية التعبير التي يجب ان تبقى بلا قسر، وبين ترجمة المحبة بعدالة اجتماعية التي لا بد ان تمر بقوانين تحفظ حياة الناس الكريمة، ولو على حساب "حرية" اقتصادية مزعومة، هي في الواقع "حرية" البعض باستغلال البعض الآخر.
فيا نواب وخدام الشعب، لن تسألوا فقط في يوم القيامة، عما فعلتم بل عما كان بامكانكم ان تفعلوا ولم تفعلوه، وكذلك سيُسأل كل ناخب وناخبة.
(•) نيقولا لوقا: أستاذ وباحث في جامعة القديس يوسف – بيروت.
(••) خريستو المرّ: أستاذ وباحث في جامعة يورك – كندا.
1- خريستو المرّ ونيقولا لوقا،"المسيحيّون والسياسة: لا للتكتّل الطائفيّ"، النهار، عدد 22914، 11 شباط 2007
2- خريستو المرّ، "وعود الإعلام وأوهام الحرّية: المسيح والتحرير"، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع، 2009