إلى كوستي 2
١٦ كانون أوّل ٢٠١٣
سلام عزيزي كوستي
تركتنا ولم تتركنا. ومسيحك رافقنا. والرفقة غدت حبّاً. والحبّ صار حياة.
عرفناك ولم نعرفك.
وعرفناك دليلاً إلى بابٍ. وخلف الباب حديقةٌ، والحديقة تفتيشٌ، والتفتيش فرحٌ، والفرح هواءٌ، والهواء لعبٌ، واللعب لقاءٌ، واللقاء حبٌّ، والحبّ حرّيةٌ، والحرّية حرّية.
وكنتَ تزرع. لا تقهر بذوراً بماءٍ، ولا غرسةً بنورٍ؛ وكنتَ تنام وكنتَ تقوم، ولا تعرف كيف ينمو مَنْ ينمو. وكان الصبية يفرحون، وكانت الصبايا يفرحن، والقمحُ يتلوّح، والحنونةُ الشمس تَفْرَحُ وتُفْرِحُ. وكانت صلباننا ثقيلةً، ومراهقتنا مليئة بالله وبالمسامير، وأنتَ تسمع وتشيرُ إلى الدروب. وكانت الدروب مرسومة في وجوهنا، وتنضح بياسمينٍ غريبٍ. وكان الوردُ فيها يميل، وكان ماءُ الزهر ينضجُ فوق نار الرحيل، فيبلّلُ نكهة الوليمةِ ورقصةَ النهار.
وخلف ثقوبِ الأيدي كان القمح يتكاثر، والحبُّ يطحنُ. وكنّا فُرادى، وصرنا واحداً، وصرنا كثيراً، وصرنا أصدقاء، وصرنا جسداً موجوعاً، وصرنا بشراً، فوقع الحصى من القلب، وذاب جليد الاختباء، ونبَضَ التراب عن نبعٍ عميقٍ.
واليوم نفتقد وجهك، وفي ليل القوافلِ يُفتَقَد الضوءُ، والضوءُ تحت الجلد خبيئٌ، فالشمس أشعلَتْه، وأنت وزّعته، فكثُرَ بين يديك.
واليوم نفتقد وجهك، واليوم نجدُ وجهك، فالضوء رفيقٌ، والغياب سيفٌ يجتاز ما يجتاز، والصمتُ جسرٌ في القلبِ فوق الغياب.
إنّنا اليوم قافلة أصدقاء... تراجعَ الليلُ وتفتّح النهارُ. الحديقةُ تغنّي، والشمس تشعل الضلوع، والقلب يستدفئ، وفي أشجار الوجه يستظلُّ كلُّ عصفورٍ صغيرٍ. وفي سلوان الدموع نغتسِلُ، ونفركُ كلُّ غربةٍ فينا، ليبصرَ جوعُنا خبزَ العودةِ إلى الحبيب. والحبيب قمحٌ، والحبيب نبيذٌ، والحبيب واحدٌ، والحبيبُ فيك بدا، هبوباً في أشرعة كثيرة.
إلى اللقاء كوستي إلى اللقاء. إلى اللقاء الآنَ ثمّ الآنَ ثمّ الآن. واللقاءُ غيابٌ في الحضور، واللقاءُ حضورٌ في الغياب، واللقاء رحيلٌ في الحبيب الممتدِّ على خشبة أو خشبتين، واللقاء حياةٌ في الحبيب المضيء في الكأس... في قلب الغياب.
خريستو