|
خريستو المرّ، السبت ١٩ نيسان / أبريل ٢٠٢٥
الإبادة مستمرّة يا سيّد. أعطني كلمة. قُم يا الله واحكم في الأرض فقد تعالى الأنين، وتخلّعت نفوسنا. نحن يا ربّ في مأزق، والمأزق ينكسر بالحبّ، والحبّ يبالي بالوجع، والوجع كبير. ساعدنا كي نوقف الإبادة لكي نستطيع أن نبكي. أنت قلت بلحمك الحيّ المحترق بالسياط، قلت بمواجهتك الصلبة الفذّة لقتلة الروح وقتلة الجسد، قلتَ إنّ القتيل حرّ من القاتل طالما حافظ على قولة «لا». وبقيامتك المنتصرة على الموت قلتَ إنّ الموت لأجل الحبّ هو حياة أبديّة. أخبرَ موتُك أنّ الـ«لا» يقولها الإنسان أحيانًا بجسد مدمّى «لا صورة له ولا جمال لننظر إليه، ولا منظر لنشتهيه». جعلك القتلة المتعطّشون للإبادة لا مشتهى لك مع أنّك «المشتهى بالحقيقة». كأنّ موتك يقول أنّ مَن يشوّهه العالم هو الحقيقة، وهو رغبة القلب الكبرى ولذلك هو قُبلته الكُبرى. واليوم، جسدُنا في فلسطين، ودماؤنا التي سالت في الماضي، وتسيل اليوم، في سوريا والسودان، ودماؤنا في لبنان التي تسفكها القنابلُ بعجالةٍ والفقرُ ببُطئٍ، كلّها تقول أنّ الضحايا هم الحقيقة الكبرى ولذلك هم قُبلتنا الكبرى. الأبرياء شهداء. هم أنتَ، وهُمْ شاهدٌ على الوحش الرابض عند باب كلّ قلب، ذاك الذي يجذب النفس حين ترى ذاتها استثناء يحتكر البشريّة فتُبيد. لن نكون الوحش، نريد أن نكونك، أن نكونك لأنّنا نحبّك، لأنّنا نحبُّنا، لأنّنا نحبّ. نريد أن نكون الذين يقولون مثلك «لا»، لا للوحش. نريد أن نكون الذين يقاتلون معك التنّين، وقتال التنّين مشاركةٌ أليمةٌ في صليبك وقيامتك، وصداقةٌ مطَمْئنةٌ معك. كان صليبك نافذتك إلى القيامة فاجعل من صليب إخواننا وأخواتنا في كلّ مكان قيامة لهم من الشدّة والقمع، وأجعلنا شركائهم في كلّ شيء. شهداؤك في فلسطين معلّمينا. يحيط بهم الموت فيذكرونك، «حسبنا أنت» يقولون. أولئك قوم يغنّون لك وهم ذاهبون إلى الموت وخارجون منه. هل نكون قبالتهم كحبيبك مرداريوس؟ وذاك كان نبيلاً رومانيا، ونحن لسنا بنبلاء إلّا بقدر ما كان تجاوبنا مع حبّك العامل نُبلا. ومرداريوس سمع مرة فيما كان يتمشى في الطبقة العلوية من بيته أغاني صاعدة من الشارع. كان جمهورٌ يغني وه ويمشي. أخبره الخدم عن قوم جاؤوا من الشرق، مسوقون الى الموت ويرتّلون لاعتقادهم أنهم بموتهم يتحدون بحبيبهم يسوع. لسنا نعرف ما الذي حلّ بمردايوس، لا نعرف ماذا كان يعيش قبلًا، نعرف أنّه كان في بحبوحة ولا بدّ أنّه كان يبحث عن معنى وسط اللامعنى، مثلنا كلّنا. تقول الحكاية، أو أنا أقوّلها، أنّ مرداريوس شعر بشيء في هذا العالم ليس من هذا العالم، أناس مجانين يغنّون للفرح وهم في طريقهم الى موتٍ مفروضٍ عليهم بالبطش. لطف الصلابة في مواجهة الموت، ذاك، الحبّ ذاك، أخذ بلبّ مردايوس، ربّما بكى فوق الشرفة، بلى بكى مردايوس، ثمّ ملأ صدره المرتجف سكونا هادئا حين نزل لينضمّ إلى الجمع الذي من الشرق. ربّما أمسك أحد بيده، لسنا ندري على التمام، ولكن نعلم أنّ مردايوس تعمّد مع الجمع بالدم بعد قليل. لماذا يذكّرني أهل غزّة بهؤلاء، لماذا أبكي ولم يعمّ الهدوء صدري؟ عمّدنا يا ربّ مع أهل غزّة، ولو قليلا، ليكون لنا معهم نصيب في وجهك. اجعلنا يا سيّد النور والحقيقة أن نكون حقيقة لأجل الحياة. اجعلنا يا سيّد النور والحقيقة حقيقة لأجل النور، اجعلنا كلمةً حيّة منك تدحر العدوّ الوحش القاتل الإباديّ العنصريّ، تدحر كلّ عدوّ وحش قاتل إباديّ. اجعلنا كلمة منك تدحر كلّ ظلام فينا وحولنا. يا سيّد النور والحقيقة، اجعلنا جملةً في نشيد النور المنبعث من قبرك. اجعلنا جملة ولو واحدة من نشيدك المضيء في كلّ انتصار على الموت عبر التاريخ. اجعلنا نشيدا يضيء بالحبّ والحرّية، اجعلنا نشيدا يفجّر العصيان، اجعلنا نشيدا يُشعل الليل، اجعلنا نشيدا من جهة كلمة الحياة، اجعلنا نشيدًا للحياة يتصاعد من نشيد نورك المنبعث من القبر. اجعلنا نشيدا يشتّت المستكبرين، اجعلنا نشيدا ينزل الأعزّاء عن الكراسي ويرفع المستضعفين، اجعلنا نشيدا يُشبع الجياع من الخيرات ويصرف الأغنياء فارغين، اجعلنا نشيدك، أو شيئا من نوره. اجعلنا نورا في الكون إلى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه الكون كلّه جسدك النورانيّ. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
October 2025
Categories |
RSS Feed