|
خريستو المرّ، الأحد ١٦ آذار / مارس ٢٠٢٥
في ظلّ الصوم كطريق للقيامة والفطر نكتب. عندما جاء يسوع وقال أنا والآب ولنا آخر هو الروح، ونحن واحد، كان يرمي بأحجية في قلب التاريخ ينبغي أن نتأمّلها كثيرا. وعندما قال تلميذه الأحبّ أنّ الله محبّة، وترك تلميذ قديم آخر خربشةً في التاريخ تقول أنّنا مخلوقون على صورته، فَهِمنا أنّنا مخلوقون بحيث أنّنا إن أحببنا كنّا في الله وكان الله فينا، فباتت حياتنا ملكوتا، وأنّ الملكوت هو ملكوت الحبّ ولذلك هو فرحٌ لقلوب المحبّين وحريق لقلوب الكارهين. لكنّ القول الكبير كان بالمسيح كلمة معلّقة على الصليب تصرخ أنا والبريء المظلوم واحد. ذاك كان خلاصة كلّ شيء، خلاصة هي بمثابة طريق لمن آمن ومن لم يؤمن. ترك المسيح جسده معلّقا خارج المدينة المجرمة ليقول في كلّ زمن، أنا قربك في كلّ مَن رماه الظالمون في التاريخ خارج القبائل والحضارات ومصالحها، أنا قربك في كلّ مَن سمّروه على خشبة الحقد، وإن كُنت أنت ذاك الـمُسمَّر فأنا فيك حاضر وأنت وجهي في العالم. مذ ذاك باتت محبّة أتباع المسيح له مرتبطة بشكل وثيق بمحبّتهم لكلّ إنسان مظلوم مرميّ خارج القبائل ومصالحها، وخارج ضيقها بالمساواة بين البشر، وضيقها بحرّيتهم وكرامتهم كأشخاص فريدين، والشخص لا تختزله القبائل ولو هو فيها بالتعاضد ومعها في المصير. لذلك لا يكون الإنسان مسيحيّا إلّا إن كان واحدا والمظلومين من كلّ ملّة وفلسفة ودين. لا يمكن أن يقترب الإنسان من المسيح إلّا إن سعى للعدالة والحقّ لكلّ قتيل، أو ذليل، أو مضطهد، أو مطرود من أرضه، وكأنّه يسعى إليهما للمسيح ولنفسه. على الصليب، برفضها الحقد، تجلّت إنسانيّة المسيح «كصورة» لله، وخطت خطوة كمال المحبّة فعكس الجسد المكسور محبّة الله الذي يُشرق شمسه على الأخبار والأشرار. تقول الحكاية أن ضجّت المحبّة في الإنسان المعلّق على الصليب فبات في توافق كامل مع الإرادة الإلهيّة؛ ولذلك تكمل الحكاية أنّ اضواء الحياة انبعثت من تلك الهامة المدفونة في قبرٍ للنسيان والموت، بعد ثلاثة أيّام. انبثّت الحياة الإلهيّة في الجسد، فتهاوى الموت من الجسد كما يتهاوى الشتاء أمام الربيع. تقول براءة المسيح الذبيحة الرافضة للحقد تلك، أنّ البريء يحيا حياة أبديّة إن هو رفض الحقد وتمسّك بالحقيقة وقالها وأعلنها لتكون هي العدالة لكلّ البشر. لذلك لا يمكن أن يحيا الإنسان القيامة اليوم إن لم يناهض الحقد في قلبه بقدر مناهضته للظلم حوله وعمله لكي يحدّ منه ويدكّ بُناه الاجتماعيّة والاقتصاديّة. لذاك فإنّ «انتقامنا» من القتلة، والسفّاحين، ومفجّري رؤوس الأطفال، ومغتصبي الرجال والنساء في المعتقلات، وسارقي زيتون أرضنا، والمبيدين لشعوبنا، سيكون في مواجهتهم بكلّ ما أوتينا من قوّة وذكاء دون حقد، ولكن في مطلق الكراهية لأعمالهم ومبادئهم. انتقامنا هو عملنا اليوم لإرساء العدالة والحرّية للجميع، وعملنا هو حرّيتنا، نحن الذين لم نقتل بريئا وتهجرّنا في كلّ أصقاع الأرض من كثرة الظلم؟ الظلم لا يعرف هويّة ولا دين، الظلم له هويّة واحدة هي هويّة العتمة، هويّة دقّ المسامير في أجساد ونفوس الأبرياء. «أنت الأبرياء وكلّ مظلوم. ولذلك أنا الأبرياء وكلّ مظلوم، وانتقامي سيكون عملي لإرساء العدالة والحرّية للجميع» هكذا تقول صلاة كلّ مَن وجد يسوع، وأصغى إليه، فتبعه في شتّى أصقاع العالم. سيأتي عيد الفطر وعيد القيامة بعد أسابيعَ من الصوم عن الطعام، ومن القطيعة مع الظلم، والكذب، والقسوة، وإهمال الأبرياء والمهمّشين. سيأتي العيد ليعلن الحبّ ليس كشعور وإنّما كقوة في التاريخ تؤكّد محبّة الله باتّباع مسار العدالة (آل عمران ٣١)، ويعلن العدالة لبًّا للإيمان (الماعون ١ - ٧)، والانحياز للضعفاء والمظلومين إشارة لأصالته (النساء ٧٥)، ورفضَ الحقد دون التنازل عن الحق والعدالة (المائدة ٨) فطرًا صحيحًا وطريقًا للذين لامستهم الأبديّة ولامسوها، فاختبروا القيامة. لا منقذ من ضلال الحقد سوى الحبّ العامل، به نكون حركة الله في التاريخ. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
October 2025
Categories |
RSS Feed