|
خريستو المرّ، الثلاثاء ٨ نيسان / أبريل ٢٠٢٥
صراعنا مع العدوّ الإسرائيليّ صراع طويل، والألم أو الحزن جرّاء هزيمة أو ما يشبهها مفهوم، والإحباط مفهوم، أمّا اليأس فلا. اليأس هو أن يقول الإنسان لا أمل، ولا شيء يمكن أن يتغيّر مهما فعلنا؛ وهذا بالضبط ما يرغب كلّ عدوّ لشعب بأن يقتنع به الناس، فلا ضمانة نصر لعدوّ إلّا انكفاء الناس عن مقاومته، حينها يربح حتما، ويربح دون تكلفة. أحد نقاط ضعف المقاومة العسكريّة في لبنان، والتي كانت بيّنة للصديق والعدوّ، هي اعتماده على طرف خارجيّ، وإن كان الاعتماد هذا ضروريّ ومفهوم إذ لم يكن يريد أحد أن يدعم شعبنا في مقاومته للاحتلال غير ذاك الطرف، فإنّ الاعتماد المطلق على طرف خارجيّ يجرّ معه حُكما ضُعفا، إذ يصبح الاستمرار مرتبطا إلى حدّ كبير بمصالح الخارج ووجوده. والخارج شئنا أم أبينا متغيّر، والدول تتقلّب فيها الحكومات وأشكال الحكم، وكلّ تقلّب يحمل معه المخاطر للداخل. هذا لا يمنع ترابط المصالح والشعوب، وإنّما يعطي للفكر والخطط والتصرّف وضوحا ضروريّا لمواجهة أكثر واقعيّة تأخذ كلّ ذاك في الحسبان. الضعف الكبير الآخر هو قبول، وحماية، نظام سياسيّ يفسّخ بطبيعته الشعب الواحد إلى طوائف متناحرة، وينظّم نهب البلاد وتفتيتها من الداخل، وهو نظام أدّى إلى موجة إفقار واسعة وعميقة سبّبها ليس القيادات الأميركيّة وإنّما القيادات السياسيّة اللبنانيّة، منهم سبّبها بالنهب الموصوف، ومنهم بغضّ النظر عن النهب وحماية النظام من أيّ تغيير ممكن، ولو بسيط، للوصول إلى دولة قابلة للحياة. كان ذاك الموقف السياسيّ، وما يزال، يشكّل حماية للظلم. ولا يستقيم أن يدافع الإنسان عن عدوّ خارجيّ يظلم، ويقبل في الآن نفسه أن يحمي الظلم الداخليّ، فالمقصود من المقاومة هو انتفاء الظلم. وإن كانت الخوف من التغيير مفهوما، إلى حدّ، جرّاء التآمر ضدّ المقاومة، فإنّ الحرب الأخيرة بيّنت مدى إضعاف النظام للقدرة الشعبيّة على احتمال نتائج الحرب، بسبب الضيق المادّي الذي أدّت إليهما حماية النظام المتهافت. نقطة الضعف هذه كبيرة، فقدرة شعب على الحصول على أسباب الصمود ضروريّة في حسابات كلّ مدافع عنه. فالسلاح يحمي الشعب، ولكنّه أيضا يحتمي به، فالشعب هو الذي يلد المدافعين عن بلادهم ويشكّل بيئتهم الحاضنة. الذي رأيناه من انتخاب حاكمٍ لمصرف لبنان مدافعٍ عن المصارف التي نهبت، وواقفٍ في خطّ مصالح العدوّ، لا يبشّر بأنّ القيادات السياسيّة التي تدعم المقاومة على وعي لنقطة الضعف الاقتصاديّ والشعبيّ هذه، وهو لا يبشّر بالخير للمستقبل. السلاح ليس مصدر القوّة وإنّما هو وسيلة قوّة. الشعب هو مصدر القوّة، هو الذي يأتي بالسلاح ويحمله، وانتصار السلاح يتطلّب قدرة شعبيّة على الصمود لا يمكن أن تكون في بيئة جُفَّفَت قدرتها المادّية. نكسة المقاومة في لبنان تتطلّب منّا كشعب، ومن قيادات شعبنا الشريفة (أي غير تلك الصهيونيّة الهوى)، أن نعيد النظر في أساليب المقاومة وشكل المواجهة القادم. هذا لا بدّ منه عند كلّ ذي رغبة بتحرّرنا كشعب واحد، كمنطقة، من قبضة الاستعمار. غير ذلك هو بظنّي مقامرة بأفضل قدرة أنبتها شعبنا بإيمان ودم ودموع: القدرة على المقاومة. إنّ الذين آمنوا أنّهم يقاومون بعقولهم وقلوبهم وأفعالهم انطلاقا من أنّ الظلم لا يجوز، تتألّم قلوبهم لهزيمة أو انكفاء أو ضعف، ولكنّهم يستلّون من الألم حيويّة جديدة ويتواصلون مع بعضهم البعض للتقييم، للتخطيط، للكلام، وللفعل من جديد في ظلّ الظروف الجديدة. إنّ الرغبة بالتحرّر والتي تُنتج فِعل مقاومة الظلم، هي العلامة الأبرز في التاريخ. إنّها هي التي دفعت شعوبا للثورة على الظلم وللمقاومة في ظلّ الظروف الأقلّ ملائمة. يمكننا أن نعتمد على هذه الرغبة فينا وفي غيرنا، ويمكننا أن نُشعل هذه الرغبة في شعبنا إن خبت تحت تراكم آلام، أو فقر، أو رماد إعلاميّ. لا شكّ أنّ موعدنا مع النصر النهائيّ يتطلّب أشخاصا، وقدرة، ولكنّه لا ينبع من إيمان بالأشخاص ولا بالقدرة، إنّه ينبع من رغبة بالحرّية، ومن إيمان بحقّنا ككلّ البشر أن نعيش بكرامة، وأن نستمرّ في ذاك العيش. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
October 2025
Categories |
RSS Feed