|
خريستو المرّ، الثلاثاء ١٥ تمّوز / يوليو ٢٠٢٥
يُعجب الإنسان عندما يسمع نغمة «نزع السلاح» من مجموعة من اللبنانيّين تسلّحت لتدافع عن نفسها من العدوان الإسرائيليّ، منذ ثمانينيات القرن العشرين، بينما العدوّ لا يزال ينتهك السيادة اللبنانيّة وبمُسيّرات لا تتوقّف، وباغتيالات لمواطنين لبنانيّين، وبتدمير للمنازل والمزروعات، وبانعدام تام وكامل وناجز للقدرة في الدولة اللبنانيّة. كلّ ذلك في ظلّ وجود قوّات دوليّة، واتّفاقيات دوليّة، وشرعة حقوق إنسان، ومنظومات حقوقيّة عالميّة، وغير ذلك من الأمور التي جعلتها الإمبراطوريّة الأميركيّة بتعاون أوروبيّ وأيدٍ صهيونيّة (إسرائيليّة وعربيّة) مثاراً للسخرية منذ حرب الإبادة الهمجيّة لبرابرة العالم الحاضر على غزّة. ما يدفع القيادات السياسية (ومأجوريهم في الإعلام) إلى هكذا دعوات لنزع السلاح، هو الفائدة السلطويّة أو الماليّة. أمّا على الصعيد الشعبيّ فهذا التضارب بين الخطر القائم والواضح والذي يطمع باحتلال الأرض وارتكاب المجازر وإخضاع السكّان في لبنان والمنطقة، وبين الدعوة لنزع السلاح، فلا يفسّره إلّا الاستسلام للمصير في بلد أفقره سياسيّوه لدرجة أنّك بتّ ترى الناس يعيشون ليومهم دون التفكير بالغد ودون انتظام في مشروع سياسيّ تغييريّ، أو الاستسلام للحقد الطائفيّ الغبيّ. فلا يوجد ما يدفع أناساً للقول بنزع السلاح رغم الضرر الذي يلحق اليوم، وسيلحق أكثر غداً إذا نُزعَ السلاح، بالأرض وبالناس الذين سوف يحيون خاضعين في بلادهم، سوى اللامبالاة أو الغباء. اللامبالاة والغباء لا يسمحان لعقل الإنسان أن يرى واقع إسرائيل كمشروع استعماري استيطاني تهجيريّ إلغائيّ إباديّ يُعلن صراحة خططه لطرد سكّان غزّة، وضمّ الضفة الغربيّة، بل ويعلن أيضاً أن الأرض اللبنانيّة مستباحة له ويريدها. ولمن لا يعرف فقد اتّخذ العدوّ في السبعينيات خطوات تدلّ على أنّه يخطّط لبناء مستعمرات في جنوب لبنان، وهو قد استعمر الجولان منذ زمن، وتعمّق اليوم باحتلاله في سوريا. هذا المشروع الصهيونيّ لن يهدأ إلّا بإخضاعنا جميعاً عبيداً أذلّاء، أو بهزيمته. ولكنّ تلك اللامبالاة وذاك الغباء إجراميّان، لأنّهما لا يأبهان بحياة البشر على أرض الواقع. أصحابهما يعيشون في عالم وهميّ حاضراً ومستقبلاً. ففي العالم الحقيقيّ الناس يُقتلون اليوم، وفي المستقبل حين يجد الناس أنفسهم تحت براثن المشروع الصهيونيّ الإجراميّ – احتلالاً أو إخضاعاً- سيكون السياسيّون، والإعلاميّون المأجورون، المروّجون لهراء «السلام» الإجراميّ قد ركعوا للمستعمِر (وهذا دأبهم) طلباً للبقاء على قيد الحياة أو السلطة والمال؛ ولن يجني تبعات إجرام المستعمِر سوى الناس المحكومين، ومنهم أولئك اللامبالون والأغبياء. لا سلام دون عدالة، ولا عدالة تقوم مع مُستَعمر. أمّا من ناحية الدولة، في لبنان والمنطقة، فالدولة تفكّك شرعيّتها على مرأى من الناس جميعاً. فدولة لبنان، بانكفائها عن الدفاع عن الأرض والبشر، ودول المنطقة برضوخها للمشروع الإجراميّ أو بمساندتها له، تقول للناس: أنا لا آبه لحياتكم ومصيركم، كلّ ما يهمّني سلطتي. في لبنان، تصرُّف الدولة المنكفئ يرسّخ تفكّك المجتمع إلى جماعات، وسيزيد من التبعيّة الخارجيّة لكلّ جماعة طائفيّة؛ فالدولة، بتصرّفها المشين، تقول للناس: تصرّفوا، أنا لا شأن لي لا بحياتكم، ولا بحاضركم، ولا بمستقبلكم. الزمن سيّئ، ولكنّه، لذلك، الزمن الملائم لبناء مشروع سياديّ قادر على حماية الحدود وحفظ كرامة الإنسان. من الممكن استعادة الثقة بين الشعب والدولة عبر مشروع سياسيّ حقيقيّ يُقرّ بحق اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم وحياتهم، ويبني دولة قادرة بناسها ومقدّراتها، ثمّ علاقاتها، على فرض سيادتها. من غير الصحيح الاعتقاد أنّ الدولة الصغيرة هي حكماً غير قادرة، ولكأنّها منزوعة القدرة. ما نراه من موقف هو أساساً موقف سياسيّ، أي قرار سياسيّ بأن لا تفعّل الدولة قدراتها. اليوم، واقعيّاً، عدا حزب «مواطنين ومواطنات في دولة»، لا أحد يحمل مشروعاً، ولا أيّ فريق. طالما هناك مشروع وطنيّ منطقيّ واحد، ولو لم تكن لديه القدرة على الحكم اليوم، فالمنطق يقول إنّه من الممكن ابتكار مشروع سياديّ يمنح كلّاً من المؤسسة العسكرية والمقاومة الشعبيّة دوراً مؤسسيّاً ومنظّماً ضمن إطار دستوري يحفظ الناس والبلاد، ويُعالج حتّى أسباب الغباء بتجفيف منابع الطائفيّة (غياب الدولة). لكن حتّى نشوء هكذا مشروع، لا يرمي سلاحه إلّا مَن فقد عقله. روح المقاومة لم تُهزَم، لا عندنا ولا في شعوب العالم التي لم ترضخ لآلة توسيخ الدماغ الإعلاميّة الغربيّة. الدعوات في شعوب العالم تتصاعد لمقاطعة كيان العدوّ بينما يهرول عندنا خونة الشعب والأرض، خونة الحياة نفسها، للتطبيع. أكان صراعنا معهم طويلاً أم قصيراً، نعدهم ونعد أنفسنا بأنّنا لن ندع صوتاً يدعو للتطبيع في بلادنا يهنأ له بال، لأنّنا نحن بالفعل مَن يحبّ الحياة للجميع، ولذلك يحبّها... حرّة. وفي سبيل ذلك علينا أن نفعِّل كلّ قوانا، ومنها تلك الأخلاقيّة والروحيّة. أيّ تعليم أخلاقيّ أو روحيّ ينسجم مع معاداة الحرّية والرضوخ للقتل والإبادة؟ Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
October 2025
Categories |
RSS Feed