موقع خريستو المرّ
Arabic | English
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة

المقالة الأسبوعيّة

في فكرة المقاومة وتجسّداتها التاريخيّة

9/9/2025

 
خريستو المرّ، الثلاثاء ٩ أيلول / سبتمبر ٢٠٢٥
​تاريخ الشعوب المقهورة يثبت أنّ فكرة مقاومة الظلم أعمق وأرسخ من أيّ حركة أو حزب. فالمقاومة، في جوهرها، ليست ملكًا لتنظيم بعينه، بل هي انعكاس لحاجة إنسانيّة وفطريّة إلى العدل والحرّيّة. الإنسان يولد وهو يحمل في داخله نزوعًا طبيعيًا إلى الكرامة، وحين يُسلب حقّه في الأرض والحرّية والعيش الكريم، ينهض ليواجه الظلم. هذه الحقيقة الأخلاقيّة والإنسانيّة هي التي تجعل من المقاومة ضرورة ملازمة لكلّ شعب مُستعمَر أو مُحتلّ. وجود جيش لشعب يحمل في داخلة فكرة مقاومة الظلم، ظلم اعتداء خارجيّ. هذا أمر لا يمكن أن يزول ولكن يمكن أن تفقد النفس ثقتها بإمكانيّها عبر الدعاية، وهذا ما كانت عليه الدعاية الاستعماريّة التي قالت بأنّ العدوّ لا يُهزم، وهو هزم مرارا (ليس ضمنها هذه المرّة).لكنّ المعضلة تبدأ حين تُختزل المقاومة في حزب أو حركة بعينها. فيصبح الدفاع عن العدالة مرادفًا للدفاع عن تنظيم سياسي محدّد، مع أنّ هذا التنظيم قد يضعف أو يضمحلّ مع الوقت. تاريخ لبنان مثال حيّ: الحزب الشيوعي اللبناني، وأحزاب أخرى قاومت إسرائيل في مراحل مفصليّة، تراجعت لاحقًا حتى غابت عن الفعل في المشهد العام. فهل يعني ذلك أنّ المقاومة ماتت؟ قطعًا لا. إنّ اختزال فكرة المقاومة ومبدأ المقاومة في الشكل التنظيمي التاريخي (حزب، حركة) يقود إلى مأزق نفسي وسياسي. على الصعيد النفسي يشعر الناس عند انحسار ذاك الحزب أو الحركة أنّ الفكرة نفسها قد هُزمت؛ والنتيجة: انكفاء الفرد عن مقاومة الظلم. المأزق السياسي يتمثّل في ارتهان فكرة المقاومة لمصير حزب واحد، فإذا انهزم أو تراجع أو اضمحلّ، فكأنّما المقاومة نفسها ضاعت ومعها القدرة. كما أنّ كون الحزب الذي يحتكر العمل المقاوم هو من طائفة محدّدة في الحالة اللبنانيّة، أمر يجعل من المقاومة موضع خلاف، فضلا أنّ انعدام قدرة الجهة المقاوِمة على استلام الدفّة السياسيّة كاملة في حال الانتصار وهو أمر سيّء بالنسبة لحياة شعب لأنّ الانتصار لا يتحوّل إلى تغيير سياسيّ (بينما ، مثلا، انتصار المقاومة ضدّ النازيّة في فرنسا أدّت إلى أن تكون أساسا في الجمهوريّة الجديدة).
لأجل هذا فإنّ فكرة الاستفادة من حركة المقاومة وإمكانيّاتها وخبرتها إضافة إلى الجيش الوطني في شكل يُتّفق عليه أمر حريّ على الجميع تلقّفه بجدّية، فهو -وإن لم يكن وحده- ينقذ حياة الناس، وهذا الهدف المقصود في النهاية. المقاومة ليست هدفا بقدر ما هي وسيلة. هذا الخطّ طرحه أناس وطنيّون يريدون لقدراتنا كشعب أن تبقى ومناهضون لإسرائيل، منهم كتّاب، ومنهم أحزاب مثل «مواطنون وموطنات في دولة» الذي تكلّم عن «انتقالها [المقاومة]، مع الحفاظ على فاعليتها، من مقاومة "طائفة" إلى منظومة وطنية»، (شربل نحاس، ‫اقتصاد ودولة للبنان)، ومنهم كتّاب وصحفيّون وأكاديميّون وقّعوا مؤخّرا وثيقة بعنوان «مرتكزات وثوابت استراتيجيّة الأمن الوطني اللبناني» جاء فيها «تعمل المقاومة والمؤسّسة العسكريّة بتكامل وفق عقيدة عسكريّة محدّدة وضمن معايير سياديّة». بالطبع هذه ليست وصفات وإنّما مسار ضروريّ لمنعة البلاد. هذا ابتكار ممكن، إلّا إذا ظننا أنّ البشر لا يبتكرون إلّا في العلوم! وإن كانت الملحاحيّة اليوم تفرض علينا التركيز على هذا جزئيّة القدرة المسلّحة، فالمسعى الأوسع هو بناء الدولة القادرة عبر تجاوز النظام السياسيّ الاقتصاديّ المحنّط، وهو العلّة الكبرى.
إنّ الخلط بين فكرة المقاومة وتجسّدها التنظيمي يفضي إلى خيبات متتالية. فأيّ حزب أو حركة هي وسيلة ظرفيّة، بينما الفكرة ثابتة. المقاومة كقيمة أخلاقيّة وإنسانيّة لا تُهزم؛ إنّما الذي قد ينهزم أو يتراجع هو الشكل التاريخي الذي حملها لفترة. من هنا وجب على الشعوب أن تفصل بين الاثنين: أن تظلّ متشبّثة بالفكرة الكبرى، وفي الوقت نفسه واعية بأنّ كلّ حركة هي مرحلة من مراحل المسار، يمكن أن تتراجع، أو تحتاج إلى التجديد والتطوير.
هذا التمييز ليس دعوة للتخلّي عن أحزاب التزمت المقاومة أو الانقلاب عليها. على العكس، هو ضرورة لدعم قدرة مقاومة الشعب كشعب، بما يرفدها بالقوّة والاستمراريّة. حين ندرك الناس أنّ الفكرة أوسع من التنظيم، نصبح أقدر على تصويب أخطائه، وتجديده، أو حتى خلق صيغ جديدة تكمل مسيرته. فالمقاومة في النهاية ليست غاية بذاتها، بل وسيلة لخدمة غاية أسمى: حياة الشعب، وحقّه في العدل والحرّيّة.
إنّ التربية على المقاومة في كلّ الظروف تصبح إذن ضرورة استراتيجيّة. التربية التي تعلّم الطفل واليافع أنّ مقاومة الظلم قيمة إنسانيّة وأمر منسجم مع الفطرة والمبادئ الإيمانيّة، وليست حكرًا على راية أو شعار سياسي معيّن. بهذه التربية يظلّ المجتمع يقظًا، لا يستسلم ليأس عابر إذا ما خبا بريق حزب أو أصابته الهزائم. بل على العكس، يجدّد عزيمته، ويبحث عن أشكال أذكى وأكثر حنكة، وصولًا إلى التحرّر.
من مصلحة كلّ شعب أن يحافظ على هذا التمييز الدقيق. فهو ما يضمن استمرار المقاومة كقوّة حيّة، عصيّة على الهزيمة. وحين تُصان الفكرة من الارتهان للتجسّدات التاريخيّة المتقلّبة حُكما، يصبح بالإمكان مواجهة الاستعمار والاحتلال باستراتيجيّات متجدّدة، تحافظ على جوهر القضية: قضيّة العدل على هذه الأرض.
المقاومة ليست فقط فعلًا سياسيًّا أو عسكريًّا، بل هي قبل ذلك روح تسري في وجدان الإنسان المؤمن بالعدل. هي صرخة الأنبياء ضد الطغيان. حين نتشبّث بهذه الروح، تصبح المقاومة قافلة طويلة في تاريخ البشر، تُجدّد ذاتها مع كلّ جيل، ولا تنطفئ أبدًا حتى يتحقّق الوعد: أن يسكن العدل في الأرض كما يسكن النور في الفجر.

Comments are closed.

    الكاتب

    خريستو المر
    المقالات المنشورة في «الأخبار»

    الأرشيف

    October 2025
    September 2025
    August 2025
    July 2025
    June 2025
    May 2025
    April 2025
    March 2025
    February 2025
    January 2025
    December 2023
    November 2023
    October 2023
    September 2023
    August 2023
    July 2023
    June 2023
    May 2023
    April 2023
    March 2023
    February 2023
    January 2023
    December 2022
    November 2022
    October 2022
    September 2022
    August 2022
    July 2022
    June 2022
    May 2022
    April 2022
    March 2022
    February 2022
    January 2022
    December 2021
    November 2021
    October 2021
    September 2021
    August 2021
    July 2021
    June 2021
    May 2021
    April 2021
    March 2021
    February 2021
    January 2021
    December 2020
    November 2020
    October 2020
    September 2020
    August 2020
    July 2020
    June 2020
    May 2020
    April 2020
    March 2020
    February 2020
    January 2020
    December 2019
    November 2019
    October 2019
    September 2019
    August 2019
    July 2019
    June 2019

    Categories

    All

    RSS Feed

 ليس من حبّ أعظم من هذا : أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه: يسوع المسيح
  • كتب
  • محاضرات
  • مقالات في «الأخبار»
  • المقالة الأسبوعيّة
  • الإيمان والحياة اليوميّة
  • فلسطين
  • التزام شؤون الإنسان
  • الإيمان والثقافة
  • كلمات
  • خريستو المرّ
  • مواقع صديقة