|
خريستو المرّ، الثلاثاء ١ نيسان / أبريل ٢٠٢٥
«فخامة الرئيس، إنكم تقودون العالم في الدفاع عن الحرية والسلام بين جميع الشعوب … من خلال قيادتكم، تجسّدون قيم إيماننا المسيحي ومحبتكم للإنجيل. تذكّرونني بالإمبراطور الروماني العظيم قسطنطين… ويشرّفني كثيرًا أن أقدّم لكم هذا الصليب المقدّس، الرمز ذاته الذي قاد الإمبراطور قسطنطين إلى النصر… هذا الصليب هو رمز أبدي للسلام، وغنيمة لا تُقهَر، وعلامة على القوة الإلهية والهداية السماوية. ومع هذا الصليب، أصلّي أن تجلبوا السلام إلى العالم، وأن تجعلوا من أميركا أمة لا تُقهَر». بهذه الكلمات خاطب المطران إلبيدوفوروس لامبرينياذيس، التابع لبطريركية القسطنطينية في الولايات المتحدة الأميركية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. خطاب كهذا، يثير الغثيان في قلب كلّ مَن لامس كلمات يسوع في الإنجيل بأنّ المسيح واحد مع المستضعفين، فالبصمات الحديديّة المشتعلة للرؤساء الأميركيّيّين، جمهوريّين وديموقرطيّين لا تحرق فقط لحم إخوتنا وأخواتنا صغارا وكبارا في فلسطين، وإنّما طالما أشعلت وتُشعِلُ لحمهم حول الأرض، من كمبوديا وفييتنام، إلى الكونغو وجنوب أفريقيا، وصولا إلى التشيلي والأرجنتين، مرورًا بالإبادة الجسديّة والثقافيّة للشعوب الأصليّة في الأميركيّتين، تلك الإبادة المستمرّة حتّى اليوم. إنّ لحم وصراخ أطفال غزّة الذي تشعله الإرادة ألأميركيّة باليد الصهيونيّة ماثل أمامنا في لبنان، وفلسطين، واليمن، وسوريا، يقول عكس ما يقوله الشَرِه للسلطة في ثياب مطران، إلبيدوفوروس. إنّ خطابًا مثل خطابه يقول أنّنا بلغنا القاع مع القيادات المسيحيّة، التي طالما رقصت وترقص على أشلاء الناس بتقاربها مع الديكتاتوريّات الصارخة في بلادنا وحول العالم، أرثوذكسيّا (من سوريا إلى اليونان) وكاثوليكيّا (من إسبانيا إلى تشيلي)، وبدعمها قادة العالم، الإرهابيّون الذين ينهشون لحم الأرض باستهلاك متعاظم لمعادنها ونفطها، وينهشون لحم البشر باستغلالهم وقمعهم تمهيدا لنهبهم ونهب أراضيهم. لا يطلب الإنسان ان تنكفئ القيادات الكنسيّة، أو قيادات أيّ دين، عن الحياة العامّة، وإنّما يتطلّع أن يكونوا فيها مذكّرين، مذكّرين بالأفق الإنسانيّ المرسوم في كتبهم وذلك كي لا يحجب غبار الكدح اليوميّ ضوء المبادئ والوصايا في الضمائر، فينسى الناس -والحكّام خاصّة- المبادئ وتتحوّل قلبوهم حجارة، ويعلو الظلم بلباس الضرورة. ولكن أن يتدخّل قياديّ دينيّ في تفاصيل السياسة، ودعم شخصا وحُكما بعينه، فهو ما يجب تجنّبه إذ ذاك تدخّل في حرّية وضمير المؤمنين، ويحمّلهم في الحياة العامّة وزر خياراته الكارثيّة الشخصيّة. أمّا أن يمدح قياديّ دينيّ السفلةَ والمجرمين، ويسمّي ظلامهم وظلمهم ضوءا، كما فعل الشرِه للسلطة في ثياب مطران إلبيدوفوروس، فهذا خيانة للرسالة-الأمانة التي بين يديه. ثمّ يستجدي المطران إلبيدوفوروس تدخلا من ترامب في شؤون بلادنا وتركيا واليونان فيقول له «نحن ممتنون للغاية لدعمكم لليونان، ولدعمكم لقضية العدالة في قبرص… نشكركم بشكل خاص على التزامكم بالمسيحية، وخاصة تجاه المسيحيين في الشرق الأوسط». لربّما ما يزال ورئيسه البطريرك الساكن في إسطنبول يظنّ أنّه سيّد في بلادنا، أو في تركيا، أو في اليونان التي همَّش فيها المجتمع، كما ينبغي، إلبيدوفوروس وأمثاله منذ زمن بعيد، والتي رغم ذلك التهميش ما تزال قياداتها الكنسيّة غارقة حتّى أذنيها في المزج بين القوميّة اليونانيّة والإيمان الأرثوذكسيّ بشكل مخالف للإيمان، وقابعة في غياهب الجمود والاستعلاء على حقائق الحياة البشريّة. يُقال أنّ ذلك الشرِه للسلطة في ثياب مطران الذي يُدعى إلبيدوفوروس ينبطح بقباحة أمام ترامب لتعزيز فرصه كمرشح محتمل لخلافة بطريرك إسطنبول. إلبيدوفوروس ليس هو الوحيد في هذا المنحى، في كلّ العالم الأرثوذكسيّ مطارنة وبطاركة ساعون للسلطة بأيّ ثمن، ينسون السيّد وملكوت الحرّية الذي بزغ على الصليب ويتصرّفون كخصيان في بلاط إمبراطور، كبُرت إمبراطوريّته أم صغُرت، طمعا بشيء من السلطة، ثمّ يتصرّفون مع مرؤوسيهم كأباطرة أو قياصرة طالبين طاعة غير مشروطة. فبئس فكرة الإمبراطوريّة، وبئس الأباطرة، وبئس رجال الدين و«النُخّب» العلمانيّة المنبطحين على أبوابهم، متمرّغين بدماء ضحايا الامبراطوريّة وشاربين من دموعها، في القاع Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
October 2025
Categories |
RSS Feed