|
خريستو المرّ، الثلاثاء ١٤ تشرين أوّل / أكتوبر ٢٠٢٥
نحن نعيش الضغط الاستعماري على فلسطين والمنطقة الأكثر وحشيّة منذ منتصف القرن الماضي، منذ نشوء المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ الإباديّ على أرض فلسطين. لذلك، فالحاجة إلى مقاومة الاستعمار باتت أكثر ملحاحيّة وضرورة من قبل، كي لا يتفكّك المجتمع وتتفكّك القدرة البسيطة الباقية. من هنا، فإنّ ما كسبته شعوبنا من قدرة على المقاومة غدا اليوم حاجة أكثر جذريّة، وضرورة في صلب أيّ تحرّك ومشروع لمواجهة مخاطر الحاضر، وتأمين أفضل الظروف لحياة حرّة في المستقبل. إلّا أنّ الواضح أيضاً، أنّ المقاومة العسكريّة تصبح محدودة التأثير داخليّاً عندما تكون هذه المقاومة متماهية مع مشروع ديني، كما يجعلها ذلك عرضة للضغوط الناتجة من مخاوف الداخل وحذره. ثمّ إنّ المقاومة العسكريّة تحتاج إلى عمق شعبيّ قادر اقتصاديّاً، والأحداث في لبنان أثبتت بما لا يرقى إليه الشكّ أنّ وجود قدرة اقتصادية تسمح بمواجهة على مدى الوطن لمدى طويل، يحتاج إلى دولة، شرط أن يكون الحكّام حاملين لمشروع وطني مقاوم، واعٍ لمخاطر الاستعمار، وللتهديد الوجودي الذي تشكّله الصهيونيّة على المجتمع. فالقوة العسكريّة للمقاومة في لبنان أضعفَها ضعف القدرة الاقتصاديّة الشعبيّة (إفلاس مصارف، عدم وجود ملاجئ، انعدام خطة طوارئ لمواجهة حرب...). إن كان تحليلنا صحيحاً، يظهر لنا أنّ الحلول التي تريد فعلاً أن تحمي الشعب عليها أن تتضمّن وجود مشروع وطنيّ مقاوم للاستعمار يتجاوز الطوائف، أي مشروع بناء دولة مدنية غير طائفيّ. ومن الأفضل في هذه الحالة أن تتبنّى المقاومة نفسها هذا المشروع ولو أنّه منطقيّاً قد يضعف نسبة الانتساب إليها حزبيّاً، ولكنّ مصلحة الشعب، أي الناس التي تصرّح المقاومة بأنّها تسعى لحمايتهم، تقتضي وجود مشروع وطني لا طائفي، ولأنّ عدم وجود هذا المشروع يوهن قدرة المقاومة نفسها، وأيّ قدرة على مقاومة الاستعمار. في لبنان، هذا المشروع الوطني يمكن تحقيقه إمّا عبر انتخابات أو عبر تكليف زعماء الطوائف لحكومة تحمل المشروع الوطني وخطوات متّفقاً عليها لتأسيس مداميك الدولة القادرة («مواطنون ومواطنات في دولة» لديها خطة وهي خطة وحيدة يمكن تبنّي بنود منها). تقوم الدولة القادرة على تأمين قدرة للجيش، ووضع أسس نظام اقتصاديّ قادر، وأسس دولة مواطنة، حتّى ولو كانت هجينة تجمع انتخاب ممثّلين للطوائف، وممثّلين للشعب خارج الطوائف، طالما لا توجد أغلبية سياسية شعبيّة حاليّاً ليكون نظام الحكم خارج الطوائف بشكل كليّ. وفي هذا الصدد فإن المكابرة هي انتحار وخيانة للناس. القوّة السياسيّة ستبقى للأكثريّة الشعبيّة، كلّ ما سيتغيّر هو بداية خروجنا من مشروع الاستعمار الذي مثّله نظام الطوائف. عندها يمكن ابتكار شكل دفاع يجمع بين وجود المقاومة العسكريّة الحاليّة كحالة مقاومة شعبيّة، ووجود جيش قادر، ضمن مشروع الدولة القادرة الذي تتّفق عليه القوى السياسيّة الراغبة في دولة مقاومة للاستعمار. هذا حلّ هجين، ولكنّه واقعي، ووجود مرجعيّة مجلس دفاع ضمنه المقاومة الشعبيّة ليس أمراً غريباً عندما تكون الدولة نفسها تقوم بواجباتها فعلاً: حماية الشعب من المخاطر وتأمين وسائل الحياة (التي تسمح له بالقدرة على الاستمرار خلال مواجهات طويلة الأمد). إنّ رفض أيّ طرف لتبنّي إقامة مشروع دولة قادرة على أسس شرحناها في ما قبل، وللدخول في مفاوضات مع أطراف سياسية تحمل الهمّ نفسه وإن كانت على درجات متفاوتة من الامتداد الشعبيّ، لا يدلّ إلّا على خيانة ذاك الطرف لما يعلنه في الملأ عن كونه يريد الدفاع عن أهل هذه الأرض بالشكل الأفضل، إذ إنّ خبرتنا في الحروب الأخيرة دلّت بما لا يرقى إليه شكّ، على قصور الشكل الحاليّ عن الدفاع (كما شرحنا في ما قبل). نحن ــ لا شكّ ــ في مأزق تاريخي، يشبه مأزقنا عندما تمّ احتلال نصف بلادنا في الثمانينيات وكان علينا أن نبتكر حلاً جديداً. بدت جوانب قصور الحلّ ذاك في المرحلة الحاليّة وحقّنا أن نخشى أن يكون القصور كارثيّاً في المستقبل حيث لا ينفع الندم من تفويت فرصة بناء دولة قادرة، اليوم ونحن ما زلنا نملك بعض القدرة على بنائها وبعض القدرة على المقاومة. عجّلوا في القرار الصائب اليوم، واقطعوا مع ممارساتكم المستمرّة القائمة على التأجيل والخوف من كلّ تغيير، لأنه لا يبقى شخص أو حزب إلى الأبد، فالمهمّ أن يبقى الشعب، وأولادنا في الحاضر والمستقبل. أليس هذا من أسس الإيمان بواحد هو وحده الأحد؟ عيب، وخيانة للإيمان، وجريمة، هذا الاستمرار في ما نحن فيه. Comments are closed.
|
الكاتبخريستو المر الأرشيف
October 2025
Categories |
RSS Feed